حين دخلت دار المؤتمر الشعبي بمدينة عطبرة.. فوجئت بممثلين لكل الطيف السياسي السوداني من أقصى اليمين مرورا بالوسط وانتهاء باليسار.. داخل تلك الدار.. فإن كان طبيعيا وجود ممثلين للمؤتمر الوطني على مستوى المدينة وعلى مستوى الولاية.. خاصة بعد التقارب الكبير الذي شهدته علاقة الحزبين بعد إطلاق صافرة الحوار الوطني.. أو بالأحرى بعد مغادرة الصف الأول في الوطني.. هذه قصة نعود إليها لاحقا.. فقد كانت المفاجأة في وجود قيادات قوى الإجماع الوطني هناك.. بدءا من السكرتير السياسي لحزب الأمة القومي.. وانتهاء برئيس المؤتمر السوداني.. أكثر الأحزاب كفرا بالحوار وبالتقارب بين المؤتمرين.. فقد وصلت عطبرة وأنا أسير حملة الأستاذ كمال عمر المحامي الدفتردارية ضد كل من يقول (بغم) في الحوار الوطني..! كنت ضيفا على دار الشعبي وحزب المؤتمر الشعبي ومنتدى سبأ الأسبوعي.. بالأحرى كنت ضيفا على مجمل الطيف السياسي في عطبرة.. تلك المدينة التي بدأت ممارسة السياسة متقدمة على كل مدن السودان.. وربما لسبب من هذا كان طبيعيا ذلك المشهد الذي عكسه حضور المنتدى عشية أمس الأول.. فتباين المواقف.. والخلاف السياسي.. لم يقف حائلا دون أن تجتمع كل عطبرة على صعيد واحد.. إنني أستطيع الآن أن أتحدى المؤتمر الشعبي على مستوى مركزه العام أن يكون محط لقاء جامع لكل القوى السياسية اليوم.. ولكن دار الشعبي في عطبرة فعلت ذلك.. يؤكد هذا أن عطبرة مختلفة.. ومتطورة.. وقادرة على الاحتفاظ بالحد الأدنى من التفاهم.. والأرضية المشتركة.. على الأقل في مستوى تبادل الأفكار.. وتعزيز المشتركات.. واحترام المواقف في ما اختلفوا فيه.. ذهبت لأقدم حديثا عن الحوار.. راهنه.. مآلاته.. مساره ومصيره.. لكنني خرجت بنتائج عظيمة.. أبرزها أن مدننا كلما بعدت عن ضغط المركز فهي أكثر حيوية.. وأكثر ديمقراطية.. وأنضج رؤية.. وأهدأ نفسا في التعاطي مع الشأن العام. أدهشني صلاح حسن سعيد وهو يتحفظ على الاعتقالات.. رغم أنه يتحدث باسم المؤتمر الوطني.. تماما كما أدهشني حسن عبد الرحيم وهو يؤكد أن لا مخرج للسودان غير الحوار ولا يستبعد أن يعود حزبه إلى طاولة الحوار بل ويتمني ذلك.. رغم أنه يتحدث باسم حزب الأمة القومي.. مع التأكيد على تحمل الوطني لمسؤوليته التاريخية في ما يحدث.. ولم أكن أقل دهشة وأنا أفاجأ بحضور عصام خضر رئيس المؤتمر السوداني هنا.. وقد بات بين حزبه والحوار والنظام ما صنع الحداد.. توالى على المنصة ممثلون لكل أحزاب المدينة من الاتحادي الأصل إلى الموحد ثم البعثيين.. والإصلاح الآن.. وحتى ممثل قوى الإجماع الوطني.. العضو المستقل داخل التحالف.. مختار طلحة.. (أبو عيسي بتاعنا).. كما همس لي أحدهم. حتى المواقف الحادة كانت موضوعية.. محمد الحبيب نائب رئيس المجلس التشريعي الولائي والقيادي بالوطني أكد دون مواربة أنه سعيد بما قيل أمامه.. ولم ينس بالطبع أن يؤكد أن ذلك من بركات الحوار الوطني.. جايز.. منوها إلى إجراءات إضافية اتخذتها حكومة الولاية لإطلاق يد الأحزاب في العمل السياسي..! لم أضف جديدا ذا بال والإفادة الأساسية التي قدمتها.. انتهت نهاية مأساوية على يد المهندس محمد عبد الواحد رئيس المؤتمر الشعبي بعطبرة.. ففي إجابة على سؤال قلت إنني لا أتوقع أن ينتهي الحوار.. مهما كانت نتائجه.. باندماج كامل بين الشعبي والوطني.. وأن الشعبي سيحتفظ.. دائما.. بمسافة.. وقلت إن الشيخ من الذكاء بما لا يدفعه لتسليم ذقنه مرة أخرى للعسكريين.. غير أن المفاجأة الصاعقة جاءت من تلقاء المهندس عبد الواحد الذي عُرف.. سابقا.. بتشدده.. وهو يعلن من المنصة.. أن خارطة الطريق قد وضعت بما يضمن نجاح الحوار.. وقد يستغرق الأمر وقتا.. ولكن.. ويضيف: هناك خطة إسعافية لمواجهة المشاكل الاقتصادية..! فقلت له مذهولا: إذن لقد تجاوزتم الحوار إلى المشاركة الفعلية في صناعة القرار..! اليوم التالي