السد الذي تقوم أثيوبيا ببناؤه، أو ما يعرف بسد النهضة، أو سد الألفية، هو واحد من أكبر سدود العالم لإنتاج الكهرباء، والأكبر في أفريقيا، ولكن كثر الحديث عن أضراره ومخاطره، ومكمن خطورة السد، هي في ضخامة مخزونه المائي. (74مليار متر مكعب) في البحيرة التي سيصنعها السد خلفه، إضافة لإرتفاعه. فبحيرة السد ترتفع 500600 متر فوق سطح البحر، وإرتفاع جسم السد يبلغ 175 متر(ناطحة سحاب من 60 طابق). والماء يأتي للبحيرة منحدرا من مرتفعات تزيد عن 2000 متر. فالنيل الأزرق ينبع من مرتفات جبلية شاهقة، وينحدر منها داخلا الحدود السودانية، ويقع السد الذي يجري بناؤه بالقرب من الحدود السودانية الأثيوبية، نحو 20 كلم داخل الحدود الأثيوبية، والغرض منه تخزين الماء في هذه المرتفعات، والسماح بمروره بكميات محسوبة، عبر بوابات السد، ليندفع منحدرا ليدير طوربينات التوليد الكهربائي. ذلك كل الذي هدفت إليه أثيوبيا من بناء السد. فقط لتوليد كهربائي ضخم، يفي حاجتها ويصنع منها أحد أكبر منتجي وتجار الكهرباء في العالم. فهي تفكر في بيع الكهرباء لأوربا بعد إتفاقاتها مع الأفارقة ومنهم السودان، وليس لأثيوبيا أي مشاريع أو خطط زراعية مرتبطة بالسد، ولكن السودان هو من يجني الفوائد فيما يتعلق بالزراعة، صحيح ليس هناك ترعة مرتبطة بالسد، ولكن السد حوّل النيل الأزرق كله، ونهر النيل بعده لترعة سودانية، فوارد النيل الأزرق المائي الذي يأتينا فيضاناً هادراً، يهدم ويغرق كل عام، سيروضه السد، ويقسمه بالتساوي علي كل أيام السنة، وستنتهي الكثير من مشاكل سدودنا، في ما يتعلق بالمخزون والطمي، وسيرتاح خزان الدمازين، ويضع رجل علي رجل ويستقر ماؤه وتوليده الكهربائي، وبنفس القدر سيستفيد خزان سنار، ويرتوي عطش مشروع الجزيرة وتنتهي الطريقة القديمة في قسمة مياه النيل، بيننا والمصريين، فقد كنا نسمح أولاً لحصتهم بالعبور، ثم نلحقها بما لا نستطع تخزينه من حصتنا، لضعف مواعيننا التخزينية، ولأننا عمليا لا نستطع حجز مخزوننا إلا بعد عبور نصيبهم، وناخذ نحن الباقي، فإن زاد تركنا الزيادة تمر لهم، وإن نقص شربنا نحن المقلب، وعطش مشروع الجزيرة. أما بعد سد النهضة فالماء يجري طول السنة، نأخذ منه كل حاجتنا، في حدود حصتنا المتفق عليها، وبأفضل كيفية، وبعد أن نرتوي من حصتنا نحن وزرعنا وضرعنا يذهب الباقي حلال علي مصر والمصريين. إلا أن مصر تعارض إقامة سد النهضة، بحجة أن تبخر الماء من بحيرة السد سيهدر الكثير من المياه، كما أن المخزون الإبتدائي اللازم لتمتلي بحيرة السد سيكون علي حساب مخزونها في بحيرة السد العالي، لأنه سيكون خصما من الوارد المائي السنوي لتقوم هي بسد العجز في إستهلاكها من المخزون الإحتياطي بالسد العالي، وتعادل سعة بحيرة سد النهضة إيراد النيل الأزرق لعام ونصف، لذلك سيتم ملؤها بشكل تدريجي لنحو 5 سنوات، مما يترتب عليه إنخفاض إحتياطي المياه بالسد العالي لعدة سنوات فقط، لأن النيل الأزرق سيعود لنفس معدل جريانه السنوي بعد إمتلاء بحيرة السد. هذه أسباب المعارضة المصرية ويضاف إليها فقدهم فائض السودان، الذي كان يعجز عن ترشيده ويأتيهم وهو له أحوج منهم. فالذي أراه أن المستفيد الأكبر من السد ومن ما يجري من مفاوضات هو السودان، لأن قيام السد أمر واقع، وما يجنيه السودان من فوائد من السد يضاهي الفائدة الأثيوبية إن لم يزد عليها. التحفظ السوداني الوحيد علي السد هو ما يتعلق بمتانته ودقة تصميمه وحسن تنفيذه، وأن يقوم علي ذلك أفضل الشركات العالمية المشهود لها بالخبرة إستشارةًٍ وتنفيذاً، حتي نضمن بناء صرح يعود خيره علي أثيوبيا ويشملنا نفعه، لتأمينه بإذن الله من خطر الإنهيار، لأنه إن حدث ذلك سيكون إنهياره كارثة مدمرة علي السودان، وسيلحق به أكبر الضرر. وقطعا سيتسبب في تدمير كل السدود السودانية علي النيل الأزرق ونهر النيل (الدمازين سنار وحتي مروي )، إضافة لكل المدن والقري النيلية، وكل الزراعة علي ضفاف النيل. لذلك أري أن أي دراسة من متخصصين تتم علي السد، بغرض مراجعة تصميمه وتنفيذه تصب في مصلحتنا، ويجب علينا أكثر من مصر وحتي أثيوبيا، أن نسهر علي تنفيذ التوصيات الخاصة بالتصميم والتنفيذ، وكل ما من شأنه أن يحسن ويجود البناء، وأن يجعل السد أكثر أمانا، وفوق ذلك بحث إمكانية إلزام أثيوبيا، بالتأمين علي مخاطر إنهيار السد، لدي إحد شركات التأمين العالمية الكبري، علي أن تشمل التغطية الأضرار المحتملة علي السودان إذا حدث ذلك لا قدر الله. آخر الكلام.. أنا مع السد، وهو أفضل طريقة نأخذ بها حقنا، ولكن أعقلها وتوكل، يجب أن نحرص علي الأخذ بكل أسباب الأمان، والباقي علي الله، خاصة أن كل ماهو مطلوب منا أن نشترط ماهو ضروري لتقليل المخاطر، ومن يدفع التكلفة هو أثيوبيا، وهي لن ترد لنا طلب في تجويد البناء وتحسينه وتحصينه، فهو طلب عادل ومقبول، فإن فرطنا اليوم لن نجد من نلومه غداً سوي أنفسنا. ويكفينا حسرة السد العالي، أعطينا عبد الناصر أرضنا ببلاش، ليغرقها بمياه السد العالي، ولم نطلب منه ترسيم حدود حلايب، ولو سألناه لما تردد لحظة في توقيع مانريد، وقد كان يومها موضوع حلايب ساخنا، ليأتي خلفاؤه ويأخزونها عنوة، وقد أغرقوا حلفا وواديهاً ولكننا قوم لانستبين الأمر إلا ضحي الغد. محمد البدوي [email protected]