مشروع الحوار الوطني يسير بخطوات بطيئة وغالبية عظمي من القوي الوطنية والجماهير تتشكك في جدوي مخرجاته من إمكانية أن تؤدي الي التحول الديمقراطي المنشود ,ورغما عن ذلك مازال النظام يصرعلى أن الحوار هو الطريق الوحيد للخروج من حالة الأزمة السودانية تشاطره في ذلك قوى وطنية مؤثرة لا يستهان بها علي رأسها حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي,غير أن القوي الوطنية التي رفضت الحوار أوتلك التي قبلته بشروط تهيئة مناخه بإفساح الحريات العامة وإطلاق سراح السجناء السياسيين وإيقاف الحرب هي أيضا قوى مقدرة ومؤثرة ولها نفوذها وتاريخها النضالي المستمد قوته من الإلتصاق بالجماهير والتعبيرعن أحزانها واشجانها وتطلعاتها في العيش والحياة الكريمة,كما أنها تتمتع بصلات جيدة مع حملة السلاح والذين يؤكدون أنهم ليست حركات مطلبية كما يحاول أن يصورهم أهل الحكم وإنما هم حركات إصلاحية تنظر في كليات قضايا السودان وإنسانه إبتداءًاً بكيف يحكم؟ ثم كيف تستغل إمكانياته وتسخر موارده لإحداث تنمية شاملة تسعد إنسانه وتحقق السلام الدائم؟ ثم كيف يكون مسار العلاقات الخارجية محققا لمصالح البلاد العليا؟. النظام الحاكم سعيد بتحالفاته ويعتقد أنه أمن نفسه من حدوث أي مفاجئآت تآمرية تطيح به من قبل قوى المعارضة ,وهو يسير مسرعا متوثبا علي ظهر جواد الحوار نحو ساحة الإنتخابات ليصرع الجميع فيها بما يتمتع به من جاهزية وإستعداد مسبق وليخرج من هذه المعمعة منتصرا مكتسبا شرعية جديدة تطيل من عمره وتجعله أكثر بطشا بالخصوم من ذي قبل, لكن ثمة عوامل عدة تحول دون ذلك: أولاً: القوى الوطنية المعارضة بشقيها(من من أنتهج الحوار أومن وقف رافضا له) تدرك كل ذلك وأكثر لذلك حسمت أمرها باكرا وأعلنت أنها لن تشارك في عملية الانتخابات في ظل ظروف الكبت والإعتقال والقوانين المعيبة المقيدة للحريات التي تكرس للشمولية وتزيد من شعلة فتيل الازمة والإحتراب.وقد عبر عن ذلك الاستاذ كمال عمرنظريا مدافعا عن موقف حزبه المؤيد للحوارحيث قال قبولنا للحوار دون شروط مسبقة لا يعني تنازلنا عن ضرورة العودة للديمقراطية وإنما ولجنا من باب آخر وعبر عنه السيد الإمام الصادق المهدي عمليا بإعلان باريس,كما تصب في ذات الإتجاه تفاهمات الحزب الشيوعي والإصلاح الآن. ثانيا: الجبهة الثورية والحركات المسلحة وهذه وإن نجحت الحكومة بتجريدتها العسكرية في ضمور مناطق نفوذها وسيطرتها إلا أنها لم تستطع حسمها نهائيا كما أنها ظلت في تواصل مستمرمع قوى المعارضة وبإعلان باريس أكتسبت تعاطفا داخليا ودوليا ستكون له ثمراته الجيدة في مقبل الأيام,أما موقفها من النظام فواضح شمسا في ضحاها ولن تجنح للسلام علي حساب الحريات فمن البديهي أنها لن تشارك في الإنتخابات ولن تقبل بنتائجها ,كما أن سلحفائية الحوار ستزيد من شعبيتها وقبول طرحها. ثالثا: القبائل المسلحة المحسوبة علي النظام مثل قوات السيد موسي هلال والذي خرج من النظام مغاضبا بعد شهر عسل طويل من التعاون المستميت في حرب دارفور والتي خبي لهيبها بإتفاقية الدوحة للسلام , ولم يجني السيد هلال ثمرات تضحياته عقب السلام الملغوم بعوامل الإنفجار بسب الصراعات القبلية المسنودة بنافذين بالمركز, ولئن كان عدم إستقرار تلك المناطق يقع إثمه علي عاتق النظام لان الصراع بينه وبين حلفائه, وبين حلفائه بعضهم ضد البعض , فإن الإنتخابات ستزيد من حالة الإنقسام وتؤجج نار الفتنة ما لم تحدث تسوية سياسية حكيمة راشدة تعالج حزور تلك الصراعات من أساسها بعدل يزيل حرج النفوس فيسلم الجميع للسلام تسليما. رابعا: العلاقات الخارجية: الخارجية السودانية صوتها خافت ولم تستطع أن تقنع المجتمع الدولي المراقب والمتابع للشأن السوداني عن كثب بأن البلاد تسير علي خطي الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي وصيانة حقوق الأنسان, وقد شاهدنا تقارير حقوقية وأممية تنعي اوضاع حقوق الإنسان في البلاد والحريات الصحفيية وبالتالي لن يرحب المجتمع الدولي بالإنتخابات إذا لم يحدث وفاق وطني حولها ترتضيه كل القوي السياسية السودانية بمن فيهم حملة السلاح. خامسا: الإقتصاد: لايخفي علي أحد أن الوضع الإقتصادي بالبلاد حاليا في أسوأ حالاته ولا تحمل الخطط الإقتصادية في طياتها ما يبشر بالإنفراج قريبا حيث عجزت الدولة في إيقاف هبوط قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأخري وهذا إنعكس سلبا علي حياة الناس. سادسا : جماهير الشعب السوداني بكافة تياراته الفكرية والثقافية ومكوناته الحزبية والمهنية والقبلية وبكامل توجهاته السياسية من اقصي اليمين لأقصي اليسار تولدت لديها إرادة موحدة دافعة نحو التغييرعبرت عنها بهبتها العفوية في سبتمبرمن العام الماضي وبوقفاتها الاحتجاجية وبكتاباتها علي أعمدة الصحف وفي المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي والندوات العامة والمنتديات المتخصصة والتجمعات المختلفة, وهي تري أن الإنتخابات إذا اقيمت في ظل الظروف الراهنة فإنها ستزيد من ماساتها وستوصل للحكم أناس لا يتحلون بروح المسئولية الوطنية والأخلاقية تجاهها خصوصا وأنها في حالة فصام نكد مع ولاتها الذين أثروا علي حساب خدماتها من تعليم وصحة وغذاء وبنيات تحتية, فكيف يتثني لهم الوقوف في إنتخابات تسير علي هوي الحاكمين المنعمين ولا تلبي تطلعاتهم و طموحاتهم المشروعة في الحرية والعدالة و التنمية الشاملة والسلام ؟كيف يصوتون في إنتخابات تنعقد تحت قوانين مقيدة للحريات تجدد عليهم مآسي الأمس؟ لمثل هذه الأسباب التي ذكرناها وغيرها من إرتفاع لمعدلات الفساد والمحسوبية والبطالة وإتساع دائرة الفقر يستحيل علي العقلاء قبول إجراء أنتخابات 2015م ما لم تسبقها عملية إصلاح سياسي وإقتصادي ومصالحة وطنية توقف نزيف الحرب وترد المظالم لأهلها وتنتصر لإنسانية إنسان السودان وتخاطب قضاياه الأساسية والجوهرية في الحرية والخبز والعدالة الإجتماعية, وإن اصرّ النظام على المضئ قدماً نحو ساحة الإنتخابات متجاهلاً هموم وقضايا الناس ورغباتها في التغيير فإن الصادم بينه وبين الجماهير سيكون حتمياً وحينها لن تنفعه جولات تفاوضية ولن تنقذه دبابات أمريكية لأن إرادة الجماهيرالمتوحدة غالبة ونافذة لمبتعاها ومنتصرة بإذن الله. أحمد بطران عبد القادر [email protected]