ليس هذا المقال معرضا للهجوم أو الدفاع عن الإسلام ؛ وإنما تفكيكا للبنية القائمة بحياد -على قدر المستطاع-والسؤال الذي طرحه الكثيرون وأجابوا عليه بأنفسهم ؛ هل المشكلة في الإسلام أم في المسلمين ، أصحاب النوستالجيا الدينية يرون أن المشكلة ليست في الإسلام وإنما في المسلمين ، وأصحاب الميول الأخرى ينأون بأنفسهم عن الإجابة تاركين الكرة في ملعب الضعفاء (بحسب اعتقادهم) . وهناك رؤية ضبابية بدأت تتشكل لتضرب في عمق الإسلام ، أي في موروثه المتواتر (القرآن وجانب من السنة) وفي موروثه الظني (الجانب الأكبر من السنة وتاريخ الرسالة المحمدية) ... (نصر حامد ، القمني ، محمد محمود ...الخ) لكن حتى هؤلاء كانت لديهم مشكلة أساسية وهي من طبيعتين ؛ الأولى نفسية هجومية ، والأخرى موضوعية (حيث فشلوا في الخروج عن دائرة التراث الإسلامي حتى وهم يقتفون التناقضات ويتصيدون الأخطاء ) ، لم يأت من يمارس عمقا ديالكتيكيا يبدا من الله وينتهي إلى الله . لتفنيد الدعوة من أساسها . ثم يمارس تفنيدا أكثر عمقا للنصوص القطعية (باستثناء فراس السواح) . والقرآن نفسه استخدم أسلوبا تقطيعيا لنصوصه ، حتى ثار الجدل حول مدى ارتباطه جزئيا وكليا بأسباب تنجيمه (وهي ظنية الثبوت) . فلم يأتي (لا من الدينيين ولا مناوئيهم) من يتناول القرآن عبر نظريات كلية مدافعة أو مهاجمة . فبدا وكأن القرآن متناقض بالنسبة للطرفين ؛ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا . لو اعتبرنا محمد ليس بنبي فهو إذا ذكي لأنه رفض إنزال الكتاب جملة واحدة ، بحيث يمكن أن يشكل نظرية قابلة للدحض والتفنيد ، وهذا إذ حال دون ذلك لكنه في نفس الوقت أدى إلى صعوبات جمة بالنسبة للمسلمين أنفسهم وهم يتبنون منهج الشرح على المتون ، مع محاولات ضعيفة من قبل القرطبي وابن كثير وأخيرا الشعراوي لوضع القرآن ككتلة واحدة. كان مجهودهم ضخما ولكن الناتج ضعيف ، فاستمر القرآن متفرقات من المفاهيم والقصص والأحكام ، تبدو أحيانا متعارضة وأحيانا يمكن أن تشكل (جزئيا) نظرية أو عدة نظريات (ونقول نظرية بافتراض أن محمدا ليس بنبي) . فأنقلب أصحاب الأماني من الراغبين في وسمهم بمجددي رأس كل قرن إلى السنة والتراث ، لصياغة نظريات دينية هي أولا وأخيرا من نسج خيالهم الخصب لا أكثر ولا أقل ، وبالتأكيد لم تصمد هذه النظريات بل ولم تشكل كيانات إلا قليلا ككيان الجمهوريين المنحصر في رؤية عرابه الأستاذ محمود محمد طه. كانت هذه محاولات ثرة ولكنها تحمل موتها في داخلها وهشاشتها في عظامها وعلى الأقل قابليتها للتفنيد ، وخضوعها لمنهج الجدل وانتقالها هي نفسها لساحة المواجهة مع النصوصيين الكلاسيكيين . إذن ؛ فلنعد إلى إجابة السؤال الأول : هل المشكلة في الإسلام أم المسلمين . والإجابة واضحة ؛ إنها في كلا الإتجاهين. ولنعد أيضا إلى الموضوع الرئيسي وهو الإلحاد كثورة بدأت وملامحها تتشكل لترفض كل هذا التراث ؛ ويحمل لواءها قلة من العباقرة أمثال فراس السواح الذي بدأ في نقض الدين من أساسه وإسناده إلى الأسطورة (وهو حتى اليوم يرفض نعته بأنه ملحد) ، فراس رجل خطير ويعمل بصمت وصبر ولا يحب المواجهة خلافا لغيره الذين وضعوا رؤوسهم في فوهة المدفع ، وحشدوا حشودهم على الخط المقابل للمواجهة . وفقدوا بالتالي أمرين : أولا ؛ أصبحت مؤلفاتهم مصنفة في فسطاط العدو ، فقدوا الحيادية التي يمكن أن تمنحهم مصداقية في حرب الاستقطاب . ومع ذلك فإنهم استطاعوا تأكيد أمر مهم ؛ وهو أن الأصوات بدأت تعلوا ويجب أن تعلوا ، وأنهم يقاومون الخنق الفكري المؤسسي وغير المؤسسي . وقد دعمتهم الأوضاع البائسة للإسلام . فالإسلام ليس كائنا يمشي على رجلين بل هو مفاهيم تتحرك داخل عقل إنساني . وبسقوط الإنسان يسقط الإسلام (يتبع). [email protected]