فرغت للتو من قراءة مسودة كتاب للصحفية السودانية المناضلة نور تاور المقيمة في كندا هرباً من عذابات السودان.. وتحكي في الكتاب الذي لم تختر له بعد عنوانا، عن الحصاد المرّ للغربة في العديد من البلدان التي زارتها وعايشت شرائح السودانيين فيها. وللوهلة الأولى يذهلك الصدق الذي تكتب به، خاصة أنها كانت وما زالت ناشطة حقوقية لها إسهامات في الدفاع عن أهلها في جبال النوبة، كما يذهلك مقدار معاناة السودانيين في بلاد المهجر، وقد بدأت من حيث تقيم، وقدمت نماذج صارخة للضياع الذي يعيشه البعض على هامش الحياة في مدن الزجاج والأسمنت حيث تنمر الأبناء على آبائهم وتحولت الزوجات إلى مخلوقات تافهة تسعى وراء المظاهر والثياب والحلي. في تلك المناخات الكئيبة حيث بمقدور المرأة أن تطرد زوجها من المنزل ويتبعثر الأبناء مثل حبات الخرز يلجأ بعضهم إلى المخدرات ورفقة السوء، وحتى البنات أفسدتهن مناخات الحرية في الغرب، فبات شائعاً أن تصطحب البنت «البوي فرند» إلى المنزل، لتواجه به الأسرة بمنتهى الصفاقة والتعدي.. عندما يثور الآباء وينفعلون في مواجهة هذه المهانة والإذلال فإن الشرطة حاضرة في أي محاولة من الآباء لمعاقبة أبنائهم الأولاد أو البنات. تمزقت أسر وتشرد أبناء وفاحت روائح كريهة عن علاقات مشبوهة وكأن الحرية تعني الانفلات والفوضى وإسقاط القيم وازدراء الأسرة. .. وليت ما حدث كان حكراً على بلد بعينه وإنما سردت نور حكايات من كندا وأمريكا وبريطانيا، وحتى العالم الثالث لم ينج من المأساة ومحنة السودانيين في الغربة حيث كتبت عن تجارب في إثيوبيا والإمارات ومصر.. وكلها حكايات تدعو للحزن والأسى للمآل الذي صار إليه حال السودانيين في الغربة. ولو خيرتني الزميلة نور تاور أن أختار عنوانا لهذا الكتاب الذي تعده للنشر لاقترحت أن يكون «ثمن الغربة».. لأن كل واحد من أصحاب تلك الحكايات سواء أكان رجلاً أم امرأة دفع ثمناً غالياً في غربته، وهو معلق هناك بين صعوبة واستحالة العودة، خاصة أنهم يعولون أسرا كبيرة داخل السودان أو يقبلون بالعودة لينضموا لطوابير العاطلين والباحثين عن عمل.. والعجيب أن أغلب العائدين يسقطون ضحايا الجلطات الدماغية. وأعتقد صادقاً أنه لو فكر أي واحد من المغتربين أن يكتب عن التجارب التي صادفته أو التي سمع بها واستوثق منها، فستكون لدينا مكتبة عامرة ومليئة ب «الحزن النبيل».. وفي الغربة تحققت نجاحات ولكنها قليلة ومحدودة، وبقيت للأغلبية الأحزان والمآسي والضياع وقلة الحيلة. هذا الاستعراض السريع لا يكفي لعرض كافة أنواع المحن والبلايا إضافة إلى الضغوط النفسية وحالات الاكتئاب التي تصيب كثيرين من القهر.. وتعكف الزميلة الصحفية نور تاور على تأليف كتاب تحت عنوان «طبول وصدى» باللغة الإنجليزية عن تجربة كادوقلي والصراع بين الحكومة والحركة الشعبية في منطقة جبال النوبة بالسودان، ويقع في 300 صفحة من القطع الكبير «ال A4» . [email protected]