ان مبدا الحوار في اساسه عند المؤتمر الوطني او غيره من الاحزاب والحركات المسلحة هو مبدا اساسي، ولكن يختلف الجميع في ماهية الغاية من ذلك الحوار، فالمؤتمر الوطني يسعي الى ذلك الحوار من اجل غايات اساسية وهي تثبيت تعريفه الذاتي للهوية السودانية العربية الاسلامية والشريعة الاسلامية والفقه الاسلامي ولو انحصرت الدائرة داخل الوسط فقط (كما حدث في نيفاشا) اذا لم يستجب ابناء النوبة والنيل الازرق ودارفور على ذلك، هذا في غايات الحوار الكلية وتعريف السودان ولن يرضي المؤتمر الوطني بنتيجة اخرى خلاف ذلك والا سيرفض الحوار. فاذا هو حوار مشروط من الاساس ومعروف نهايته مسباقا بالنسبة للمؤتمر الوطني، ويرجع تمسك المؤتمر الوطني ومن بعده حكومة قطر التي تدعمه حتى الان بالحوار الى ظهور ظاهرة الربيع العربي التي اوجدت امكانية تسويق مفاهيم الحركة الاسلامية للشعوب والاتيان بها من خلال الديمقراطية (مع نسيان فترة ربع قرن من التجربة السودانية) حتى يكون للحركة الاسلامية السودانية مشروعية بخلاف مشروعية الانقاذ التي ترمز للديكتاتوريات، وحتى تستطيع قطر ايجاد دولة تدير من خلالها المشروع الاسلامي العالمي ويستطيع المؤتمر الاستمرار في الحكم عن طريق شرعية الانتخابات. هذا عن مفهوم الحوار الكلي اما جزئيا يحاول المؤتمر الوطني الاستفادة من الدول الافريقية لتسويق نفسه من اجل فك الحصار الاقتصادي الذي اصبح خانق (مما ادي الى تحلل الدولة من كل التزاماتها تجاه المجتمع واصبحت دولة جبايات فقط بعد توقف كل المشاريع الاقتصادية والاستثمارية). بالاضافة الى دفاع الاتحاد الافريقي عن عمر البشير في حضوره لاجتماعات القمم الافريقية مما افشل مؤقتا المحكمة الجنائية الدولية. لكل ذلك يغامر المؤتمر الوطني بكرت الحوار لربح كل شيء اولها استمراره في السلطة وفق اي صيغة تثبت مفاهيمه للهوية السودانية ثانيا مساعدته اقتصاديا وثالثا اعفاء اعضاءه من المسالة القانونية على الجرائم التاريخية التي ارتكبها في السودان، فاذا وجد المؤتمر الوطني كل ذلك استمر في اللعب بكرت الحوار مع الاحزاب ومع الجبهة الثورية اما اذا لم يجد فسيستمر في لعبته الاساسية بمفاوضة الحركات المسلحة منفردة حتى لا يفتح ملفات الهوية والجرائم والحكومة الانتقالية، وسيستمر في حكم باقي السودان وفق سياسة التواكل على الله ورزق اليوم باليوم. احزاب خارج هامش الفعل السياسي: اغلب احزاب الحكومة والمعارضة هي احزاب سلبية، فهي غير منتجة للفعل السياسي ففي بعض الاحيان تقوم بدور رد الفعل وفي احيان كثيرة تكون مشاهدة فقط كما الشعب السوداني، فكل الاحزاب المشاركة في الحكومة هي احزاب غير منتجة لاي فعل سياسي وليس لها دور الا ما يحدده لها المؤتمر الوطني، اما احزاب المعارضة فلا نجد غير حزب الامة وحزب المؤتمر السوداني الذي صعد به رئيسه ابراهيم الشيخ الى قمة المصادمة منذ احداث سبتمبر الماضي ولازال يواصل في صدامه المباشر مع السلطة، بالاضافة الى كل اولئك نجد الجبهة الثورية ولها مكانتها الحقيقية كحركات مسلحة في الواقع السوداني. اما الاحزاب المعارضة السلبية والتي نرجو ان تعيد النظر في فكرها وفعلها السياسي، متمثلة في الحزب الشيوعي السوداني واحزاب العروبة (ناصرية وبعثية) فهي احزاب تجاوز منتجو فكرها الاصليين في بلدانهم تلك الافكار (الماركسية والقومية العربية) واثبتت عدم جدواها فعليا وارتباطها بالديكتاتورية في كل من الاتحاد السوفيتي والعراق وسوريا ومصر الناصرية، فهي اذا احزاب خارج التاريخ السياسي وجغرافية المكان، بالاضافة الى ذلك فتلك الاحزاب في السودان ادمنت الفعل السياسي من خلال الاخرين فهي لا تتصدر الواجهة اطلاقا وتترك الاخرين يناضلون بالانابة عنها. اما احزاب التحالف السوداني وحركة حق والحركات الشبابية هي احزاب وحركات تضيء وتخبو ولم تجد الطريق لممارسة السياسة بعد. اما الحزب الاتحادي فبخلاف دخول محمد عثمان المرغني لتحالف مع الحكومة فهو عبارة عن تجمع لافراد محددين تحت لافتات لا يوجد داخلها هيكلة وممارسة لفعل سياسي حقيقي. احزاب الفعل السياسي والجبهة الثورية: اذا المعنيين بالسؤال السابق وهو ماذا اذا فشل الحوار؟ هو حزب الامة وحزب المؤتمر السوداني والجبهة الثورية. هل سنترك المؤتمر الوطني يحدد لنا ماهية الخطوة القادمة؟ ام ماذا هي فاعلة اذا لم يسلم المؤتمر الوطني بنتائج الحوار او رفضه؟ وتظهر جيدا نتائج ذلك الحوار منذ الان، فهو حوار محكوم بالفشل تماما فلن يتم تقبل رؤية المؤتمر الوطني للهوية من قبل الجبهة الثورية التي ترفع شعار العلمانية واضح دون لبس، كذلك لا اظن ان احدا يرضي بعفي الله عن ما سلف لجرائم الحركة الاسلامية منذ 89 في السودان وليس المؤتمر الوطني فقط. ولن يرضي معارض ببقاء المؤتمر الوطني في السلطة كما يشتهي اعضاء المؤتمر الوطني. ومع عدم تسليم المؤتمر الوطني وعدم اعترافه بكل ما احدثه بالسودان هو والحركة الاسلامية نجد ان لا غاية بعد ذلك من الحوار سوى اهدار مزيد من الزمن لصالح بقاء المؤتمر الوطني في السلطة، وما قاد الى استمرار المؤتمر الوطني في الحكم الى الان هو عدم مبادرة احزاب الداخل المعارضة بالفعل وعدم امكانية الجبهة الثورية لاسقاط النظام عسكريا. فما هي اذا خطوة حزب الامة الحقيقية بعيدا عن الحديث الانشائي عن تعبئة الشارع وغيرها، هل سينزل قادة الحزب الى الشارع من اجل اقتلاع نظام الجبهة الاسلامية والمؤتمر الوطني اذا تم رفض الحوار؟ ومتي ذلك؟، فحزب الامة يمتلك قاعدة شعبية عريضة ويمتلك كذلك شباب ثورى مصادم ولكن يصطدم برؤية الصادق الضبابية حول الهوية السودانية ومفهوم الاسلام، فالصادق يطرح نفسه كمفكر اسلامي دون ان يقدم رؤية كلية للاسلام الذي يعتنقه، فالصادق يتحدث فقط عن الاجزاء ويحاول ان ياتي بفقه لا علاقة له بالفقه الاسلامي التاريخي القائم على ثوابت محددة. فكل ما يفعله الصادق هو محاولة ايجاد موطئ قدم للعروبة والاسلام في السودان القادم رغم وضوح قصور تلك الافكار عن استيعاب الواقع (تجربة الحركة الاسلامية اوضح دليل). اما المؤتمر السوداني وهو الداخل حديثا على خط المواجهة فيجب عليه وضوح فكره حول الاسلام والدولة الاسلامية والشريعة الاسلامية والفقه الاسلامي باجابات واضحة، ويجب ادراك ان هنا يكمن اشرس صراع فكري وسلوكي، ففي مفهوم الاسلام وليس تعريفه يكمن توازن الكثيرين وتعريفهم لذاتهم لذلك لن يتنازلوا بسهولة عن ذلك التعريف من اجل مفاهيم ضبابية، ولذلك على ابراهيم الشيخ واعضاء حزبه الحذر وعليه اولا ان يمتلك الاجابات لكل الاسئلة الحرجة، حتى لا يقع ابراهيم الشيخ في الفعل الذي قصم ظهر عبد العزيز خالد وابعده عن السياسية طويلا عندما اجبره المؤتمر الوطني على كتابة استرحام لعمر البشير حتى يتم اطلاق سراحه بعد اعتقاله سابقا. فقد بدا ترميز ابراهيم الشيخ وسيتصيد اصحاب مشروع الاسلام السياسي وهم كثر ابراهيم الشيخ وسيتتبعون خطواته، في محاولة لان يتم احراجه او تتم ازاحته من واجهة الفعل السياسي. اما الجبهة الثورية فلا ادري ماذا تنتظر من الحوار وهي التي تمتلك مشروع واضح ومصادم لمشروع المؤتمر الوطني ولا يمكن للمؤتمر الوطني ان يسلم بذلك المشروع، فعليها ان لا تراهن على مشروع الحوار كثيرا وان تمارس السياسة كما يمارسها المؤتمر الوطني وهو خصمها الحقيقي، اي ان تحاور كجبهة ثورية في مشروع الحوار وان تواصل المفاوضات كحركات مسلحة، فالحوار لازال غير واضح المعالم اما المفاوضات وتحديدا في المنطقتين تستمد قوتها من مجلس الامن، فلا يجب على قطاع الشمال تضييع الزمن في الحوار من اجل حلم بان يرضي المؤتمر الوطني او ان تتمكن احزاب المعارضة في ازاحته. وقد يقول قائل ان في ذلك خيانة لحركات دارفور المسلحة (مني وجبريل ونور) ولكن تختلف الحرب في جبال النوبة تحديدا عن غيرها، فعكس الحرب في دارفور التي تدور بين تلك الحركات وقوات البشير فان الحرب في جبال النوبة يسقط فيها ابرياء واطفال وشيوخ ونساء لا يستطيعون حمل السلاح والدفاع عن انفسهم في مقابل آلة الحرب التي يقودها البشير. [email protected]