يبدو ان الحراك الكثيف الذي تشهده ساحة المؤتمر الوطني علي مستوي مجالس شوراه بالولايات عبر بوضوح كيف ان الممارسة السياسية والشورية بمفهومها الواسع تم اختزالها جورا وظلما في قضية محدودة النطاق وشكلت ظاهرة موسفة من السباق المحموم تجاه الكراسي وهي بذلك تسئ الي المؤتمر الوطني في ممارسة الشوري بداخله فالذي وضح بجلاء وكشفته هذه الممارسة الشورية ان المؤتمر الوطني لم يعد علي قلب رجل واحد ولا علي فكرة ولا مشروع ولا حتي برنامج واحد ولكنها في الحقيقة رسخت تماما مفهوم القبلية في ممارسة السياسة واسقطت كذلك كل قيم ومعايير الكفاءة والقوة والامانة ويبدو كذلك ان بعض المؤتمرات الشورية اهدرت جهدا ومالا ووقتا كبيرا لاختيار فرسان المرحلة لخوض الماراثون الانتخابي القادم وهي مرحلة وصفها بعض السياسيين بانها "ملهاة" جديدة شغلت من هم خارج اسوار الوطني وعطلت مصالحهم قبل ان تشغل اهل المؤتمر الوطني وتحيله الي تكوينات وتكتلات قبلية او "مناطقية" داخلية والخاسر الاول من كل هذه الممارسات الدولة السودانية بكل مكوناتها خصوصا انه منذ الان سيبدأ موسم الهجرة الي القواعد او الناخبين وهو اكبر موسم للهدر "والردحي السياسي والاعلامي" في السودان حيث تتناثر البرامج الزيف وتصاغ الخطب السياسية والتعبوية بافضل ما يكون وابدع ما يكون في سبيل كسب مشاعر وقناعات الجماهير وحملها الي صناديق الاقتراع "كمالقطيع" بلا ادني ضمانات من هذه القيادات فكم من "الاسف" والوعد السراب حصدته هذه الجماهير في المواسم الانتخابية السابقة ؟؟!. عشم التطبيع ..! ما الذي تغير يا دكتور الفاتح عز الدين في الاجواء السودانية الامريكية حتي نعشم في عملية تطبيع مع الادارة الامريكية هل تبدلت افكارنا ومفاهيمنا ام ان ثوابت الانقاذ وشعاراتها القديمة تساقطت وتاكلت .. ام ان واشنطون تنازلت واعادت قراءة علاقاتها من جديد مع الخرطوم وبفهم جديد . اغلب الظن ان شئ من هذا القبيل لم يحدث لا من هذا الطرف او ذاك ولكن الذي حدث فعلا ان خارطة التحالفات الدولية هي التي تبدلت وتغيرت مساراتها وجغرافيتها .. لكن ربما ان الحكومة السودانية هي التي في حاجة الي مذيد من التعقل والتدارك والمراجعة لكثير من المواقف والمفاهيم والسياسات القديمة خصوصا تلك المفاهيم التي بموجبها عانت بلادنا حالة من القطيعة والعزلة دفعنا فواتيرها رهقا في اقتصادنا وتوترا في اطراف بلادنا واهتزازا في البنية السياسية الداخلية . يبدو ان الدكتور الفاتح عز الدين متفائل جدا بامكانية احداث حالة اشبه بالاختراق ان لم تصل حد التطبيع مع واشنطون ووسيلته في ذلك ان تتحرك المنظومة البرلمانية بقيادته في المرحلة المقبلة بفهم جديد وبمنطلقات جديدة تتحلي بقدر وافر من المرونة والرشد والاعتراف باخفاقات التجارب القديمة وربما التنازلات من اجل العبور بالعلاقات السودانية الامريكية الي محطة التفاعل الايجابي او هكذا يفكر الدكتور الفاتح عز الدين وهذا في ظني تفكير محمود وايجابي ولكن الذي يجب ان تدركه الحكومة السودانية وبرلمانها ان واشنطون لن تخطو شبرا واحدا تجاه الخرطوم لو لم تبادر الاخيرة بخطوات "مهرولة" تجاه ما تريده واشنطون ولهذا ظل الفضاء السياسي والدبلوماسي بين الدولتين السودانية والامريكية محكوم بشرعية "العصا والجزرة" .وعل كل فان تطلعات وتحركات البرلمان السوداني مع الادارة الامريكية مرتبطة بضرورة صناعة واقع جديد يعيد تحريك الملفات العالقة بين الخرطوم وواشنطون بشكل موجب .ولعل ما ما اعلنه رئيس البرلمان في غضون اليومين الماضيين بانهم عازمون علي تحريك "ادواتهم البرلمانية " لمغازلة امريكا او الوصول معها الي تفاهمات عشما في ودها ورغم ان هناك من يعتقد بان ما يقوم به الدكتور الفاتح عز الدين فيه تغول علي سلطة الجهاز التنفيذي وهذا فهم خاطي لان البرلمان السوداني يمكنه ان يبني جسرا للتواصل والاتنسيق مع برلمات العالم بما فيه الكونجرس الامريكي وبالتالي يمكن اقناع هذه البرلمانات باتخاذ مواقف تخدم قضايا الدبلوماسية السودانية بما فيها "التطبيع" مع امريكا وبالضرورة ان يحقق هذا التحرك المطالب الامريكية في المقام الاول قبل ان تجني الخرطوم أي ثمار من هذا الوفاء ولكننا ننتظر كيف يتحرك البرلمان ؟ وكيف تستجيب واشنطون ؟ . مغتربون عالقون ..! كم هو محزن ان يفقد سبعة من المغتربين السودانيين اقاماتهم بالمملكة العربية السعودية ليس بسبب الكفيل او بشروط الاقامة بالمملكة ولكن الادهي والامر بل المحزن حقا ان هؤلاء المغتربين فقدوا اقاماتهم نتيجة لانتهاء صلاحياتها لانهم ظلوا عالقين هناك في شواطي سواكن لايام عددا بسبب فشل مواعين النقل البحري في استيعاب حركة العابرين من والي سواكن ..ولان الخيارات محدود وادارة المواني مختلة لم تفلح جهودها في ايجاد البديل للبواخر التي خرجت من الخدمة فحدثت الازمة واصيب المغتربين السبعة بالاذي النفسي والمادي وحتي الجسدي لانهم ظلوا هكذا عالقين علي الشاطي بسواكن ينتظرون الحلول العاجلة من ادارة الميناء ومن جهاز المغتربين وكل من له صلة بقضيتهم لكنهم لم يجدوا من ينصرهم او يزيل عنهم هذا العناء فتدهورت نفسياتهم واصابهم الاعياء جراء الانتظار الطويل وصرفوا كل ما لديهم من بقايا "ريالات" كانوا يدخرونها لايام عجاف لان كل شي هنا في سواكن اسعاره مضاعفة ..تلك هي احدي حلقات الماساة والاحزان التي ظل يعاني منها السودانيين في ترحالهم ما بين مهاجرهم و بلادهم فالسلطات هناك غائبة الوعي والرشد بدورها والقانون بلا هيبة وبلا سلطان والجريمة شركاؤها متعددون كل يرمي بالمسوؤلية علي الاخر وهكذا يتفرق دم المغتربين بين سلطات متربصة وادارات عاجزة وقانون بلا هيبة فهذه قضية وجريمة مكتملة الاركان تحتاج الي من يقتلعها من جذورها وفاء واخلاصا لهذه الشريحة المهاجرة التي لولاها لتشردت اسر وانهارت بيوت واتسعت رقعة الباحثين عن ماوي وماكل ..فاين انت يا خطوط يا بحرية ؟ هل نبكي عليك ونقيم ماتما اخر كما بكينا من قبل علي الخطوط الجوية السودانية ..فهؤلاء هم المغتربين السبعة الذين فقدوا وسيلة عيشهم بالمملكة العربية السعودية عبر هذه الاقامات التي انتهت صلاحيتها وهم يبحثون عن عبور "مستحيل" عبر بوابة سواكن .. فمن اذن يعوضهم اويجيرهم في مصيبتهم ؟ وهل تتفهم السلطات السعودية هناك ان هؤلاء السودانيين لاذنب جنوه ولا يد لهم في ما اصابهم ؟ .. اليست وزارة النقل وهيئة المواني البحرية هي الجهات المعنية بكل تفاصيل وملابسات هذه القضية ؟ . يقيني ان مثل هذه الاشكالات ليست هي الاولي ولن تكن الاخيرة فهناك ركام من التجارب والسوابق الموجعة والفاسدة وسوف يستمر هذا النزيف لان اسواق النقل البحري في بلادنا محتكرة تديرها قلة متنفذة ..وان الافق مغلق امام هذه الاحتكارية . [email protected]