لا اعتقد أن ثمة بلادا في الدنيا أصابها ما أصابها من تأثير شعوب البلاد الأخرى مثل دول الخليج، و لم يكن تأثير هذه الشعوب على الخليجيين تأثيرا جديدا فسكان الخليج هاجروا إلى العراق و بلاد الشام ومصر ثم عبروا البحار إلى بلاد السند و الهند منذ مئات السنين طلبا للرزق و التجارة و لم تتداعى عليهم الأمم عقب الطفرة البترولية التي أصابتهم في سبعينيات القرن الماضي كما يعتقد الكثيرون ، فالصلات صلات قديمة و الوشائج كانت و لما تزل ممتدة. فأهل الخليج نقلوا من هذه الشعوب الكثير مما أصبح خليجي السمة و الملامح ، فمعظم دول الخليج تبنت استخدام الروبية الهندية في بدايات استخدامها للنقد و سار الخليجيون على نهج الهنود و غيرهم من شعوب آسيا في استخدامهم الكثيف للأرز في وجباتهم و يمكن لأي منا أن يلحظ تأثير دول شبه القارة الهندية على أزياء النساء في سلطنة عمان سواء من حيث الألوان أو موديلات الخياطة ، هذا خلاف ما تركته و تتركه الخادمات القادمات من اندونيسيا و الفلبين من بصمات على أبناء الخليجيين ثقافيا و اجتماعيا وغير ذلك من مؤثرات على حياة الأطفال حتى أصبح الأمر مثار شكوى كثير من أولياء الأمور و ورجال الدين و المتخصصين و المسؤولين على حد سواء مخافة أن تفقد أجيالهم القادمة هويتها و انتمائها . و لأن اللغة هي الوسيلة الأكثر استخداما في التعامل مع الآخرين فلم يعد غريبا أن تسمع و انت تمر في أي محل عام بالخليج احدهم يخاطب آسيويا بعبارة مثل : " تعال صديق... أنا انت سوا سوا روح مكتب ... في ورق كلو كمبليت بعدين انت يرجع بيت " أو أن تسمع خادمة اندونيسية تخاطب طفلا مزعجا " نواف ! ايس( ايش) في ؟ ليس ( ليش) أنتا سوي كدا .. كدا ، أنا لازم كلم بابا بعدين بابا طق انتا" و يصاحب ذلك بالطبع إشارات بالأصابع و الأيدي زيادة في الإيضاح والتأكيد. أضطر أهل الخليج إلى إبداء كل هذا القدر من التنازل و"كسر رقبة " لغتهم ليتسنى لهم التواصل مع مكفوليهم من خدم المنازل و السائقين و غيرهم لان الطرفين في معظم الأحوال لا يجيدان لغة بعض و لا يجيدان اللغة الانجليزية التي أصبحت لغة التواصل و التجارة في كل أنحاء العالم رضي أنصار اللغة الفرنسية ام أبوا. أغرى هذا التنازل بعض المقيمين في دول الخليج من الشعوب التي تكتب لغاتها بأحرف عربية كلغة الأوردو مثلا إلى القفز من لغة التخاطب إلى لغة الكتابة فأصبحوا يصدرون بها فواتير المحلات و الشركات بلغة يمكن أن نطلق عليها عربية مكسرة يتم تشكيل حروفها حسب نطقها بالأوردو فيضطر من تصدر له مثل هذه الفواتير إلى قبولها مرغما معللا نفسه، حسب تقديري ، بان ما يهمه منها هو الأرقام وليس اللغة التي كتبت بها .ثم امتد الحال بهؤلاء إلى كتابة لوحات المحلات، فهؤلاء لا تحدهم حدود في سبيل التكسب، فأصبحت تجد لوحات مثل " محلات بيع أواني المنزلية" والمقصود بالطبع "الأواني المنزلية " أو "محلات سلطان التجاري " قاصدين " محلات سلطان التجارية " و لان اللوحات الإعلانية ولوحات المحلات تعد وسيلة من وسائل التعلم و كتابتها بهذه الطريقة تربك من هم في بدايات مرحلة التعلم عند مقارنة ما تلقوه في المدرسة و ما هو مكتوب في مثل هذه اللوحات فضلا عن تأثيرها السيئ على الذوق العام ، فقد فطنت إحدى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة إلى ذلك فأصدرت مرسوما يقضي بتغريم كل من تكتب لوحاتهم بهذه الطريقة الركيكة التي لا تراعي قواعد اللغة مع مطالبتهم بإزالتها فورا . يبقي أن أعود إلى عنوان هذه المفكرة الذي لا يخرج عن إطار ما تم ذكره أعلاه ، فلقد تعرضت في احد الأيام إلى حادث طفيف اضطررت معه إلى اخذ سيارتي إلى ورشة لإصلاح الهوبات ( تسمي في الخليج جنوط ) و كان يعمل بالورشة احد الإخوة الباكستانيين الذي قام باللازم تجاه الهوب الذي تعرض للحادث و أصلح معه الهوب الآخر أيضا لزوم التوازن ثم سلمني السيارة و معها فاتورة مختومة و نبهني إلى أن هذا الختم عبارة عن ضمان ( صديق ..هازا ظمان ) ، لم اعر كلامه اهتماما كثيرا و لكن عندما عدت إلى البيت ، و كنا نسكن عزابة وقتئذ ، رأيت أن اضطلع على مضمون هذا الضمان فوجدت العبارة التالية على الختم ( لو كان مش بنشر ثدم ضمان من تاريخ هذا واحد شهر ) ، جلست و معي مجموعة من الأصدقاء نفك طلاسم هذا (الظمان) و توصلنا أخيرا بعد أن أدلى كل منا بدلوه أن المقصود هو ( أن سيارتي لو لم تتعرض لبنشر أو حادث اصطدام (ثدم) فإن الورشة تضمن أن تكون هوبات هذه السيارة بحالة جيدة لمدة شهر). نعم هذا هو المعني المقصود وهو معني يقودنا إلى أن الخليج مقبل بلا شك على لغة ثانية قريبا ولعل تخوف أهله من تأثيرات الضيوف الذي حلوا عليه كان في محله و ليت الأمر وقف عند هذا الحد، و للحديث بقية. يحيى حسين قدال [email protected]