عيد بأي حال أسوأ مما ضى عدت يا عيد؟ وبسبب رفع الدعم و الغلاء الطاحن وإرتفاع الأسعار وبالأخص اللحوم سيكثر اللغط حول كيفية أداء سنة الأضحية. سيتناول الكثير من الصحفيين والكتاب هذا الموضوع ويتكرر نفس سيناريو الاعوام الماضية. وقد يجيز مجمع الفقه الإسلامي اقتراض ثمن الأضحية لمن يظن أنه قادر على سداد القرض دفعة واحدة أو على أقساط، لأن حكم الأضحية سنة مؤكدة في حق المقتدر المستطيع. وقبل أعوام ذهب البعض لسؤال هيئة علماء السودان وأفتوا قائلين بأنه: "نعم يجوز اذا كان الدائن متأكد او لديه المصدر الذى يمكن ان يسدد منه ذلك الدين. وعلى حد قولهم ذلك بإستخدامهم "فقه التيسير"". في تقديري إن ما ذكره العلماء ليست قاعدة، بل يجب أن تكون ردا على سؤال بعينه أوحالة معينة فقط فالأوجب ان لا تعمم. هناك اناس يستدينون لكي يشتروا خروف الأضحية، ويكون عبئا عليهم لتسديده بعد عدة شهور. وهل يضمن العلماء الأعمار بأن المستدين يمكن ان يعيش لغد حتى يسدد هذا الدين!. فكان يجب من الأولى القول لهم بأن الله ((يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))، وأن (ييسروا ولاتعسروا). هذه فتواهم ولكن ايضا لدينا عقول ونستفتى قلبنا ولو افتانا الناس. قال صل الله عليه وآله وسلم :( البر ما سكنت إليه النفس وأطمأن له القلب، والإثم مالم تسكن إليه النفس ويطمئن اليه القلب، وإن أفتاك المفتون)، و(استفت قلبك ولو أفتاك الناس ). صدق رسول الله صل الله عليه وآله وسلم. أسأل نفسك أولا: الحج فرض لمن استطاع اليه سبيلا، فهل تجوز الاستدانة او الاقراض او التقسيط لأداء تلك الفريضة؟. فإذا كان يجوز في الحج الواجب نأتي بعد ذلك لسنة الأضحية. ولكن في الحج يقول بعض الفقهاء يمكن الإستدانة، ولكن لم يكلفه الله ذلك!. إذن الأجدى ترك هذه الفريضة لأنها لمن إستطاع إليها سبيلا. أضف لذلك تحذير النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فالدين هم بالليل ومذلة بالنهار. فقد علم صلى الله عليه وآله وسلم بعض أصحابه أن يستعيذ بالله من غلبة الدين وقهر الرجال، وكان يستعيذ بالله من المأثم والغرم (المغرم: الإستدانة). قالوا: يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! قال: (إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف). من أجل هذا لا يندب للمسلم أن يدخل نفسه ويسجنها في الدين. فإذا كان ذلك فى فريضة الحج، ركن الإسلام الخامس، فما بالك فى سنة قد ضحى عنا بها رسول الله صل اله عليه وآله وسلم. ففي رأيي إن الفتوى المعممة يمكن أن تكون: الأضحية للمستطيع فقط ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ومن باب آخر يقول تعالى: ((لن ينال اللهَ لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين)) [الحج: 37]. وفى الحديث القدسى :(إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها فاكتبوها حسنة كاملة). فالله تعالى عليم بالسرائر، بغير المستطيع الذى يريد الأضحية للتقوى ولكن لا يقدر. فلماذا يرهق الواحد نفسه بهذا الموضوع طالما تقواه لله محفوظة وحسنته للأضحية ستكتب له كاملة حسب نيته. ولكن ان كان الموضوع مكانة إجتماعية وكسر رقبة، و أكل لحمة فالأفضل أن يشتريها ويضحي ويستدين وليشرب الشربوت وأأمل أن يرويه!. نفير الأضحية.. فكما كان النفير في السيول يمكن أن يعمل نفير في اللحوم. لا أقول للمقتدرين من باب المواساة الإجتماعية وإستشعار الغير يمكن ان تتركوا الأضحية هذا العام وتعفوا الخرفان من الذبح مساندة ووقوفا بجانب غير المستطيعين لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضحى عنا جميعا. ولكن على أقل تقدير يجب التكاتف لإيصال اللحوم لغير المقتدرين من باب التكافل والاحسان. إرجع للآية أيها المقتدر: ((لن ينال اللهَ لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين)) [الحج: 37]، فكن من المحسنين. يمكن أن يجتمع أعضاء نفير في الأحياء بحيث تجمع لحوم الأضاحي في كل حي فى بيت ثم توزع على الأسر المعسرة. أو أن يتبرع نفر من الأحياء الغنية بتجميع بعض اللحوم وإيصالها للأحياء الفقيرة. ولا تكونوا كالذين قال عنهم عادل إمام في مسرحية "الواد سيد الشغال": ناس عندهم لحمة بيعزموا ناس عندهم لحمة عشان ياكلوا لحمة!!!". أقطعوا العرق وسيحوا دمه.. مشكلتنا الأساسية ليست مشكلة غلاء ولا إرتفاع أسعار ولا خرفان فكل هذا ظل الفيل الكبير الذي نطعن فيه ولا جدوى. فالمشكلة هذه الطغمة الحاكمة وسياستها التي طحنت الناس وأفقرتهم وأذلتهم وهم يتبرعون لدول الجوار يمينا ويسارا برؤوس الأغنام والأبقار والجمال ويحرمون أهل البيت زاده. فعلينا شد الكيزان وطعن الفيل نفسه ونحره لتنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا. ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فلن نكون كل عام، يا شعب ويا وطن، بخير مالم نجلب التغيير. وهذه الأيام نعيش ذكرى ثورة هبة سبتمبر، حيث ينظر إلينا شهداءه من علياء جنات الخلود، ينظرون إلى دمائهم الطاهرة التي لا تزال معلقة في رقابنا، ويأسون على حالنا المزري الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم وستائر الظلم تتهدل على دينانا. فكيف يعود علينا العيد بأحسن الأحوال ونحن نكتسي بثياب الحداد الطويل وتغيب شمس الحق عن سماء بلادنا. سيف الحق حسن [email protected]