أمسية الأحد الماضي حللت والدكتور يونس الأمين والشاعر الملحن الدكتور عماد الفضل ضيوف شرف بمنزل الفنان العملاق النور الجيلانى في إطار برامج التلفزيون القومي احتفاء بالعيد مع هذه القامة والتي ستبث سهرة ثالث أيام العيد بدعوة من منظمة معا من اجل الخير حيث قضينا أمسية تاريخية امتزج فيها الفرح بعودة الصوت لهذا الرقم الفني وان لم تكتمل الفرحة بان يسترد معشوق الملايين صوته الغنائي فكانت ليلة امتزج فيها الحزن والفرح . تجلت عظمة الليلة حيث تعانق فيها برنامج اليوم الثلث للعيد تحت مسمى (خواطر عيد) وليكون البرنامج تحت ضيافة المبدع صاحب (خواطر فيل) والتي لا يزال من يراها ولا أقول من يسمعها. يحسب انه يشاهدها لأول مرة. كثيرا ما قلتها في مناسبات عديدة إنني شخصيا من المدمنين لعشق هذا المبدع ملك الطرب والإنسان صاحب القيم الإنسانية ورجل الوفاء الذي أصبح عملة نادرة. ظروف وعوامل عديدة جعلتني سعيدا بان أكون سجين حبه . أولا وبكل شفافية كنت رغم استمتاعي بعمالقة الفن السوداني إلا إنني كنت ولازلت اخذ على الفن السوداني المهيمن علينا في الشمال مع تغييب إبداعات الأقاليم التي تقدم فنا أكثر حيوية فلقد كنت أعيب على فنانينا الكبار انه فن سماعي لا يحوجك أن تراه بالعين كأنك تستمع لقصيدة مصحوبة بإيقاع ليس فيه تعبير حركي لهذا فان ظهور المبدع النور الجيلانى جاء بمدرسة تترجم فيها الحركة المعاني فكان ذلك بالنسبة لي طفرة كبيرة للفن السوداني مواكبة للفن المتطور عالميا .فكان النور نقطة تحول تجبرك للنظر قبل السمع. فانك لا تستمتع بفنه إلا ونت تتابعه بالنظر وتشاركه الإحساس. ثانيا شاءت الصدف أن يتزامن ظهور النور مع إصداري لصحيفة نجوم وكواكب الرياضية الفنية حيث كان هو فى بداياته فتعرض لغرابة فنه لحملة عدائية رافضة لفنه المتطور لتميزه عن الفن التقليدي ويومها تصدت الصحيفة للدفاع عنه ولا انسي يومها إن رحمة لله عليه الأستاذ الرقم محمد وردى قد انتقده بعنف وسماه طرزان فتصديت له مفندا اتهامه وبعد سنة من تلك الوقعة أجريت حوارا مع الأستاذ وردى فاعترف بأنه اخطأ في حق النور واعتذر له وقال انه إضافة ومدرسة جديدة في الفن السوداني, ثالثا على المستوى الإنساني فلقد أثارني موقفه يوم رحل عنه احد أعضاء الفرقة في حادث حركة إلا إن النور ظل طوال مشواره يعتبر ذلك الشهيد عضوا في الفرقة له كافة الحقوق . ولكم استوقفني في تلك الأمسية بمنزله عندما قدمت مجموعة من الفنانين أغنية جوبا ورأيت كيف تعامل الحضور بأسى مع تلك الأغنية وكأنه يبكى على السودان الذي تمزق وشبابنا يرد د ويشارك بالحركة وبجنون وكأنه ينعيه بسبب فصل الجنوب. فكان الحضور يصرخ (جوبا) في هوس ولم يختلف المشهد عندما تغنى شباب من جيل الماضي بأغنية خواطر فيل ولن اصف كيف كان حال الحضور فليكن هذا يوم يبث التلفزيون السهرة ثالث أيام العيد. ويا لها من مفارقة غريبة ففي اللحظة التي اكتب فيها هذا الموضوع دخلت حفيدتي من المدرسة تصيح(جدوا شغلوا لينا في الحافلة أغنيتك ليه ليه حرمونى ليه) ويا ليت العيد القادم يعيده لنا مواصلاً إبداعه فليدعو له كل عشاقه وكل عام وأنت بخير المبدع النور.