ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض.. السفير الذي لم تقبله لندن!    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    شاهد بالصور .. قيادات القوة المشتركة للحركات المسلحة بمدينة الفاشر تتفقد الخطوط الأمامية    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    سيكافا بطولة المستضعفين؟؟؟    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    شاهد بالفيديو.. بعد فترة من الغياب.. الراقصة آية أفرو تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بوصلة رقص مثيرة على أنغام (بت قطعة من سكر)    القوات المسلحة تنفي احتجاز جمهورية مصر لسفينة متجهة للسودان    مصر.. فرض شروط جديدة على الفنادق السياحية    الحركة الإسلامية السودانية ترد على كندا    شاهد بالصورة والفيديو.. ببنطلون ممزق وفاضح أظهر مفاتنها.. حسناء سودانية تستعرض جمالها وتقدم فواصل من الرقص المثير على أنغام أغنية الفنانة إيمان الشريف    الإمارات تتعهد ب 100 مليون دولار دعما للشعب السوداني    ماذا كشفت صور حطام صواريخ في الهجوم الإيراني على إسرائيل؟    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    مقتل 33899 فلسطينيا في الهجوم الإسرائيلي منذ أكتوبر    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    ترتيبات لعقد مؤتمر تأهيل وإعادة إعمار الصناعات السودانية    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة تنضم لقوات الدعم السريع وتتوسط الجنود بالمناقل وتوجه رسالة لقائدها "قجة" والجمهور يسخر: (شكلها البورة قامت بيك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. الفنانة عشة الجبل تظهر في مقطع وهي تغني داخل غرفتها: (ما بتجي مني شينة)    ريمونتادا باريس تلقي برشلونة خارج دوري الأبطال    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاة الجسد: تفكيك الوعي وإيقاع التشظي (قراءة في نصٍ سردي لعبد العزيز بركة ساكن)
نشر في الراكوبة يوم 24 - 10 - 2014

" التاريخ عبارة عن كابوس , أحاول أن استيقظ منه" ( جيمس جويس, ألوسيس)
" العبقرية.. لا تعني أكثر من القدرة على إدراك الأشياء العادية بطريقة مختلفة وغير معهودة" ( وليم جيمس – الفيلسوف الأمريكي الذي سك مصطلح تيار الوعي stream of consciousness)
●من ملامح الكتابة العالمية الجديدة عموماً, خاصة في تجليها, ما بعد الحداثوى, ميلها المستمر أن تخرج من التصنيف "الجانروي" (تصنيف الأجناس الأدبية) التقليدي المستقر, مفضلة المنطقة الحرة العابرة للتجنيس الأدبي. الكتابة السودانية الجديدة, أخذت هذا المنحى , بشكل واضح, تحديداً منذ التسعينات ومطلع الألفية الجديدة, وتعاظم, هذا الاتجاه, خلال العقد الأخير من هذا القرن الجديد ( كتابات عبد الغني كرم الله, مثلاً, تعد تجسيداً حياًّ لهذا الاتجاه العابر "للجانرا", وهو مما صار يكسبها سحراً طويلاً, وتوهجاً خاصاً, وقد ظهرت أيضا روايات قصيرة وقصص وكتابات مختلفة لا يمكن حصرها في جنس أدبي محدد ).
● صلاة الجسد , لعبد العزيز بركة ساكن( مجلة نوافذ مدنية, كلية شرق النيل, 2011), نص يشتغل في هذا الأفق الجديد بارزاً مؤهلاته كمواطن خارج التصنيف الأدبي post-genre)). هذا الإنفكاك التصنيفي نفسه, هو الذي أتاح للنص أن يؤسس قوامه كله على أرضية من "التشظي" المستمر. وهي أرضية تُنشأ نفسها منذ مفتتح النص ( أبناؤنا المشردون على جسدك الحار .. أنت مسجاة هناك بكامل إرادة الوقت والقهوة.. بكامل صراخ العشيبات المصطفاة في سبيل النشوة يمهدن سبل الرب).. وتستمر حتى الجملة الأخيرة ( يا هذه.. يا مجدلية الروح.. يا مريمي ومريمي الأخرى وفاطمتي). وإذا كانت الأرضية هي التشظي , فان الدعامات والكونكريت تنهضان على كتف المونولوج المشفّر ( أصلي صلاة الجسد, لرب يظلل ليل البنات الجميل بأجنحتي. وأنت البنيات ينمن في خاطري , يخفن الرجال جميعاً إلا أنا.. الوحيد في جوقة الجوارح يعطى الطمأنينة والخوف وشهوة الإنتشاء بذات الألم. لا سورة , تُقرأ , لا توراة , لا إنجيل. لا كما سوترا, لا مشيل فوكو أو فوكومايا. لا فيدا , لا سرديات كتلك التي في كتاب الموتى. لا النّفّري, لا شيركو بيكاس, لا شيخ سنار التقي فرح. لا دون جوان خليعاً. ليس سوى بوذا ينقط ميلاد عيسى المسيح بحبر اللوتس.. يدير بوصلة القيامات والأمهات الجميلات إلى وقتنا المتقد).. ( كنّ في الليل والغربة .. نفس المسافة ما بين ليلٍ وغربة. نفس الجسد أحبك جداً , كشدو طيور الكُلج , كوخزِ ضمير الحمام. أحبك أيضا وأنىّ ولكن وثم وبعد وليت التي ثم ماذا وكيف؟). هذه الإرتباكات والإهتزازات والإختلاطات والتناصات والإختلالات والضلالات, تسعى جاهدةً لتأسيس نظامٍ إدراكي جديدٍ مختلف جداً ؛ لا تكون فيه اللغة والحواس فقط وسيطاً للعالم.. كتلك الرؤية التي أسسها بيرس ودو سيوسيور, أي السيموطيقا ودرس العلامات ( Semiotics), ولكنها تكون وسيطاً لهدم المعنى ذاته.. هذه النص لا يعطي نفسه بسخاء للسموطيقا/نظرية العلامات, بل يتجاوز ذلك إلى ما يسمى حديثاُ باللا سموطيقا Desemiotics)).
واللافت هنا, أن نص (صلاة الجسد) يرفض نظام المدركات الراسخ , باعتباره زائفاً ومركباً وسخيفاً , وفي الآن عينه, ينشغل بتركيب مفردات عالمه الخاص على أنقاض هذا العالم المركّب القديم الزائف, وليس يبالي حتى أن يجعله زائفاً هو الآخر, وإن كان يريده "زائفاً" على طريقته الخاصة. تشكل هذه المفردات " الإطار التحرري" للذات المبدعة في سعيها الثوري المتدفق لتجاوز هذا السخف المتجسد في أنظمة الوعي التى تكابدها هذه الذات/الصوت/الراوي. انه عالمه الخاص , هو الذي يصنعه ويدير معناه ويؤسس شفراته ونظام علامته البديل ! ومن ذلك رفض المتكلم داخل النص (الراوي/الصوت) , للقراءة, شاهراً لاءاته العشر, و تواقاً لعالمٍ جديدٍ واهجٍ و طازجٍ جداً وملتهب جداً ونظيفٍ جداً, ونابضٍ بكل الحرارات الأولى, والزمن الخالص والشهقات البتول.
● وبالقدر الذي تنجح فيه هذه الإنحرافات الإدراكية , في تأسيس عالم بطل النص الإدراكي المختلف الجديد (لنج), فانه ينجح أيضاً في تأسيس بنيته الإيقاعية الخاصة المنسجمة معها. ومن سمات إيقاع هذا النص(صلاة الجسد) أنه يستدعى جميع الحواس جملةً واحدةً ( صلاةٌ لأجلك وحدك , أقلد فيها إفك الحمام وصدق الذئاب وفسق الدجاجات وأبكي. لأني أغني بصوتٍ وأبكي بصوت و أجنى ثمار النهود التي تزهر فيك بصوت...أُشبع الوقت والميتين.. رأيتك عند الصباح تحلبين النعاج تثغو بلحن سليمان , نشيداً لإنشاد الجسد... يفوح عطرك بسُكر شهوة الإنتعاظ الغبي لدينا).
نواجه هنا إيقاعاً متشظي. فالعنصر الرئيس فيه هو حركة التشظي الداخلي المرتج الحار- إيقاع منوّت بهدير الألوان وعواء الروائح وحزن السافنا وطزاجة الزرافات.. ومواء المشردين, وفلسفة الطير والقهوة وتماهيات الوقت والجسد. إيقاع متنوع .. نسمع فيه كركرة الأرض ولاهوت الحب والصخر والعشبيات, مثلما فيه نرى فيه ضروباً من جدل البرزخيات وذاكرة الحروب وشفرات البوح والتهميش وصهيل الأرواح الهائمة النهيكة.
● (صلاة الجسد) نص جيّد وينوء بإمكان هائل ينزع نحو التجاوز, وأرى أن يطوره صاحبه إلى كتاب كامل وأن يتبع فيه – إلى جانب انحرافات الدلالة والنظام- طريقة "الانحراف الترقيمي" Punctuation Deviation– تلك الطريقة التي يجيدها , سودانياً, كمال الجزولي في مقالاته السياسية-الاجتماعية. وحين نثبت للنص هذا الإمكان الكبير وهذا الأفق الإندياحي المتجدد , فإننا لا نغفل ضرورة الانتباه لبعض من الأخطاء الصرفية في هذا النص الصغير( وهي ليست ضمن نسيج الانحرافات التى ذكرناها والمبررة فنياً ), والتي أوردناه مصحّحة فيما أوردناه هنا من اقتباسات في عرض هذه المقاربة.
(صلاة الجسد) نصٌ لا تصنيف له في أي إطار " أجناسي-أدبي" معروف.. هو نصٌ يؤسس هويته وشخصيته الفنية والمعرفية على تفكيك النظام – نظام الوعي الجاهز الرتيب والإدراك الزائف- مقروءاً من وجهة نظر الصوت الرئيس في النص- والذي يبحث عن نظام وعي كامل و بديل ومختلف وطازج وحار وفائح البدايات. ويقوده هذا المسعى النبيل, في آخر الظهيرة, إلى إيقاع مرتجٍ ومتشظي بشكل متواصل.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.