الديكتاتوريات تشبه بعضها تماماً مثل أعراض المرض العضال من حيث البداية و تطور الحالة الى أن تبلغ درجة من السوء، وغالباً نهايتها ما تكون متشابهة ، فهي لا تخرج عن إنقلاب شبيهأ بكيفية مجيئها أو ثورة شعبية تطيح بها أو هروب قائدها ونادراً ما يموت الديكتاتور وهو على سدة الحكم ..لآن الظالم يمُد الله له مداً لحكمة من لدنه سبحانه تعالى ! بن علي في تونس حكم ثلاثة عقود ونيف وقد جاء الى الحكم في إنقلاب أبيض عام 1986 أي قبل إنقلاب الإنقاذ بثلاث سنوات .. رئيس بوركينا فاسو كومباري جاء بانقلاب في عام 1987 . ذهب بن علي بعد أن فهم أن الشعب لايريده وترجل في هدوء وغادر البلاد بليلٍ بهيم وهاهي تونس من بعده تضرب مثلاً في عقلانية الثورة وتواضع فعالياتها السياسية على مبدأ حب الوطن وترسيخ ثقافة تداول السلطة عبر الإرادة الشعبية التي إنتصر الجميع فيها بغض النظر عن من تقدم في النتائج ومن تراجع ! في غرب أفريقيا لم يكن أحد يعرف شيئاً عن ململة شعب بوركينا فاسو أو فولتا العليا قبل إنقلاب كومباري الذي حكمها لما يقارب الثلاثة عقود جدد لنفسه لعدة دورات بانتخابات شابتها الشكوك .. وحينما أراد أن يعدّل الدستور ليترشح بعد عامين لولاية آخرى .. قال له الشعب كفى ..! لم يستغرق الأمر سوى يومين نزل فيهما مليون شخص الى الشوارع والساحات .. وأشتعلت البلاد وسقط عدد من الضحايا .. لكن الرئيس لم يقل أن هؤلاء مخربون وشذاذ آفاق ولم يستخدم الخطة ب للفتك بالشباب .. بل قال هو الأخر لقد فهمت ماذا تريدون .. ورحل الى مكانٍ غير معلوم ! ذات الأعراض هي التي نعانيها في السودان من حيث بداية النظام الكارثية وتطور سوءاته والمدة المشابهة للذين فهموا أخيراً ماذا تريد شعوبهم بل وذات الدوافع التي عجلت بنهايتهم متوفرة بالقلم والمسطرة في حالة رئيسنا الذي داس مؤتمر حزبه الأخير على الدستور ومد لسانه للأمة و قرر ترشيح الرئيس ليحقق نبوءة مستشاره للشئون الغيبية بله الغائب عن وعيه ! لكن الفرق الوحيد أن رئيسنا لم يفهمنا بعد .. ربما لأنه لم يسمعنا بصورة جيدة ..وينتظر أن نعلي من صوتنا أكثر ! أوربما يكون سمعه أصبح ثقيلاً من فرط تكبيرات وتهليلات المنافقين الذين قالوا له أنت الحي الدائم والعياذ بالله ..أو ربما ضاع صوت غالبية الشعب وسط أصوات تلك الأقلية الناشزة ، التي عملت بالمثل المصري .. خذوهم بالصوت .. وطبعاً ليس المقصود صوت الإنتخاب الحر .. ! فمتى سيفهمنا الرئيس ، أو بالأحرى متى نعلي من صوتنا ليسمعنا مثل تلك الشعوب التي تُجبِر رؤسائها على الفهم وإن تبلدوا باصرارهم الممل على طول الإقامة ..! [email protected]