قليل من أصدقائي ومعارفي يعلمون بأن لي قلباً معطوباً تعاني بعض شرايينه من عوامل التدخين والسُكَّر (بضم السين وتشديد الكاف وكده) ومن هم على شاكلتي ممن إبتلاهم الله بعطب في هذا الجزء المانح للحياة هم بلا شك قوم يمكن أن تقلع بهم طائرة الحياة في أي لحظة، لتحط بهم حيث لا أمنيات نخيب ولا كائنات تمر، لذلك فإني شخصياً أتمثل الموت يومياً بل في معظم ساعات اليوم وأنظر إلى طفلي الصغيرين بكل أسى وحزن وأسأل نفسي: كيف لهما مواجهة الحياة هذي من بعدي في ظل سودان تتجه خطاه حثيثاً نحو المجهول؟ في مرات كثيرة أتمنى لو أن باستطاعة الإنسان أن يستخرج قلبه لينظفه ويلمعه ويدخله إلى مكانه من جديد.. وفي مرات أخر أقوم برسم صورة مظلمة لقلبي.. ذابل.. منقبض.. ذو أذينين وبطينين مهترئين.. وكيف لا يهترئان وهما يعملان دون كلل أو ملل منذ أكثر من نصف قرن لم يتوقفا مرة واحدة؟ وهذه الأنابيب التي تنقل الدم منه وإليه كم من اللترات بل من (براميل) الدم مرت من خلالها؟ هذا الدم المختلط بالنيكوتين وبقايا المواد السكرية التي لم تحترق لأنها لم تجد الأنسولين المناسب؟ يصبح هاجس أن يصبح قلبك معرضاً للتوقف في أي لحظة، هاجس يلازمك ليل نهار.. كل وجبه تتناولها تجد نفسك وقد تخيلت أنها الوجبة الأخيرة فتهمس إلى روحك: هو بالله الواحد يرمرم العمر ده كووولو وما عارف إنو آخر وجبة ح ياكلا هي السمك ده؟ لو أن إبهام يدك اليسرى تحرك لا إرادياً بفعل أي شئ أنت لا تدركه ولا تعلمه هتف ذلك الهاتف لك أن استعد فقد بدأت الحرب الشاملة وبدأ القلب في التخلص من بعض وظائفه مما جعل وظائف المخ تختل وبالتالي يختل الجهاز العصبي والدليل حركة الإبهام اللا إرادية. دأبت منذ فترة وأنا أطالع إعلانات النعي والشكر في الصحف اليومية أن أتوقف عندما أرى صوراً لمتوفين يوحي شكلهم بأنهم شباب أو (دون الخمسين) فأهتف في داخلي: - أهو ديل ما قدرك وكمان أصغر منك وماتو ساااكت لا حادث ولا حاجة وإحتمال قلبهم مش ذي قلبك التعبان ده .. وهنا يتدخل (العامل الإيماني) على الفور ليؤكد بأن مسألة مفارقة هذه الزائلة لا تحكمها أي معادلات أو معطيات وأن الأمر من قبل ومن بعد لله الواحد الأحد الفرد الصمد وأدلل لنفسي بقريبي (نورالدين) الذي أصيب بجلطة في الرأس جعلته مشلولاً شللاً نصفياً توقع له الجميع أن يكون نهاية لحياته حتى أن زوجته الشابة آنذاك التي كانت تمارضه وتسافر معه في رحلات علاجه الكثيرة قد قامت حينها بالإستعداد (لرحيله) وذلك بتجهيز كافة المستلزمات كفن وحنوط وخلافه، لكنها رحلت عن الدنيا رحيلاً مفاجئاً هكذا دون مرض وعاش (نورالدين) بعد وفاتها نحو عشر سنوات ! ألم أقل لنفسي أن المسألة برمجة إلهية لا تحجمها معايير دنيوية ! في مجلة سياسية وجدتها على طاولة صديقي طبيب الأسنان وأنا انتظر دوري وجدت باباً بعنوان: (هل تعلم)، يقول كاتبه: هل تعلم بأن أحد العلامات البارزة لتعب القلب والتي تشير إلى أنه في طريقه إلى التوقف هي آلام ونقزات خلف الرقبة مباشرة، قلت لنفسي: مال المجلات السياسية وهذا؟ ألا يكفي ما بنا نحن مرضى القلب؟ قبل أن أدخل على صديقي الطبيب لخلع ضرسي أحسست بنقزة خلف رقبتي، تركت العيادة وعدت مسرعاً إلى المنزل وأنا أقول لنفسي: - أحسن الزول يموت مع أهلو - التدخين هو آفة بكل المقاييس.. فشلت كثيراً في التوقف عنه كما جربت كل الوسائل والطرق بداية بالعلكة الطبية أي (اللبانة) مروراً باللصقة، وإنتهاءً بحاجة كده نسيت إسمها ! كنت أدخن خمس علب سجائر كل يوم قبل أن يعتل القلب، وبعد اعتلاله صارت علبة واحدة.. عندما كنت أدخن العلب الخمس بدأت أشعر بما يشبه الخدر والتنميل المؤلم أثناء وقوفي محاضراً، فشكوت لأحد أصدقائي الصيادلة والذي كان يعمل بإحدى الصيدليات المواجهة لعيادة أحد الإختصاصيين المشهورين (بشارع الدكاترة أم درمان) فطلب مني أن نذهب لمقابلته ففعلنا وسألني عما بي فأخبرته بكل ما أعاني منه وبعد أن فرغت من ذلك سألني: - إنتا بتعمل شنوو؟ أجبته بأنني أدخن خمس علب سجائر يومياً وأقوم بأكل حوالي (كيلو) من اللحوم (لما كانت اللحمة رخيصة هههه).. هنا نظر لي الدكتور بدهشة وسألني: - والقروش دي بتجيبا من وين؟ أجبته ضاحكاً: - ياخ ما تكشف كشفك إنتا دكتور واللا بتاع ضرائب !! كسرة: مش كويس إنو عندنا قلب؟.. في ناس ما عندها!! تنبيه: يوجد (واو) جديد.. (للعلم وكده) !! كسرة ثابتة (قديمة): أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو(وووو وووو وووو وووو وووو وووو وووو)+(وووو) +(وووو) كسرة ثابتة (جديدة): أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو(وووو وووو وووو)+(وووو)+(وووو).