:: يوم إنتقال الموسيقار حسن بابكر إلى رحمة مولاه، إتصلت مذيعة بالنيل الأزرق بأصدقاء الراحل على (الهواء مباشرة)..وكانوا - في لحظة الإتصال - بالمقابر، ومنهم الشاعر محمد عبد القادر أبوشورة، وكان متأثراً بوفاة رفيق دربه، ومع ذلك تمالك حزنه وعدد - للمذيعة والمشاهدين - بعض مآثر الراحل..وقبل الوداع، فاجأت المذيعة الشاعر أبوشورة : (طبعاً المرحوم كان مشكل ثنائي جميل مع الفنان محمد ميرغني، و ياريت تدندن لينا بأغنية من أعمالك المشتركة بينك والمرحوم ومحمد ميرغني)، فرد أبوشورة باستياء : ( أدندن شنو يا استاذة؟، نحن في المقابر و لسة ما سترنا المرحوم)..!! :: وهكذا بعض الناس في الحياة، إذ دائرة مشاعرهم وإحاسيسهم وقضاياهم وتفكيرهم لا تتجاوز دائرة نصف قطرها ( ذواتهم).. نعم، فالمذيعة كانت تختزل تفكيرها - في تلك اللحظة - في الإستماع إلى ( دندنة شاعر )، لتستمتع بها هي أولاً ثم لتسعد بها المشاهدين، بلا أي مراعاة لمشاعر الشاعر الذي يواري رفيق دربه ثرى القبر..وتقريباً مثل هذا النوع من التفكير الأشتر هو المسمى بالأنانية وعدم الإحساس بالآخر، وما أكثر الرؤوس المحشوة بالأنانية، ولهذا لن يبلغ بنيان الوطن يوماً تماماً.. فالأنانية تهدم .. وتهدم ..!! :: وعلى سبيل المثال، إنتقدت القرار الصادر عن وزارة الصحة بالخرطوم والخاص بإلغاء مسافة المائة متر التي يحددها قانون الصيدلة كمسافة بين الصيدلية والأخرى، ووزارة الصحة ألغت هذه المسافة بما أسمته ب ( قرار الإستثناء)، علما بأن لاتملك سلطة على الأدوية وصيدلياتها إطلاقاً، فالقانون المنظم لمهنة الصيدلة ( قانون مركزي)، ومسؤول عن تطبيقه مجلس الأدوية وليس البروف مامون حميدة..ونقد هذا القرار الوزاري المخالف للقانون لم يعجب البعض، وهذا محل تقدير، فالرأي لايكتمل إلا بالرأي الآخر، ولكن المحزن هو أن يأتي هذا الرأي الآخر مغلفاً بتعليق سطحي من شاكلة : ( ياخ دي ما قضية، وفي مشاكل أكبر من كده)، وهنا تتجى مكامن الأزمة الكبرى - أي الأكبر من كل مشاكل البلد - وهي ( إستصغار المخالفات)، والإستهانة ببعضها وكأن هذه الإستهانة لاتؤثر - سلباً- في المجتمع..!! :: فالقضية الأساسية - في جزئية مسافة المائة متر- ليست هي الأمتار في حد ذاتها، بل هي عدم إحترام سًطلة حكومية لقانون يُنظم مهنة الصيدلة بالسودان لحد إنتهاك هذا القانون ب (جرة قلم)..تلك هي القضية، أي إستسهال الفوضى، وهذا باعتبار أن إحترام القانون (تنظيم)..وإن كانت الحكومة ذاتها - وهي المناط بها بأن تكون قدوة - لاتحترم النصوص القانونية ولوائحها التفصيلية، فكيف - ولماذا - يحترمها المجتمع وأفراده؟،أوهكذا يجب أن يبقى السؤال جوهرياً في تناول قضية المائة متر، وكل قضايا الناس والبلد..علما بأن الوعي العام والتخلف الشامل سواسية أمام كل القوانين، وليس من الوعي أن تحترم هذا النص القانوني ( عشان قضية) وتحتقر ذاك النص الآخر( عشان ما قضية)..!! :: والذين قالوا بأن رقي الشعوب يظهر في إحترامها لقانون تنظيم حركة سيارتها ومارتها في الطرقات لم تُفت عليهم أهمية إحترام القوانين التي تحظر جرائم القتل، ولكنهم بالقول أرادوا التأكيد بأن كل القوانين تكمل بعضها في ( بناء الرقي).. والمهم، عندما وضعت منظمة الصحة العالمية عبر خبرائها معاييراً لممارسة مهنة الصيدلة، ومنها معيار المسافة ما بين الصيدلية والأخرى، قصدوا وصول هذه الخدمة العلاجية - بالتمدد عبر معيار المسافة - إلى أهالي جبيل الطينة و دار السلام وعد الفرسان وغيرها من الأقاصي حتى لا يتكبد أهلها مشاق الرحلة إلى ( سنتر الخرطوم)، بحثاً عن قرص بنادول.. ولكن يبدوا أن خبراء منظمة الصحة العالمية أخطأوا بوضع هذا ( المعيار الما قضية)، وكان عليهم الإستعانة بعباقرة السودان ليجدوا عندهم ( المعيار القضية)..!! [email protected]