منذ سنوات بعيده ربطتني علاقات صداقة ومحبه باستاذنا محمد ادروب وافراد اسرته وقد كنت اتردد الى منزله واجد عنده كل الترحاب وحسن الاستقبال وتلك الطمأنينه والسكينه التى افتقدناها جميعا فقد كان استاذنا على علمه الغزير ومعارفه المتعدده انسانا طيبا ومتواضعا خفيض الصوت باسم المحيا تربطك اول زياره اليه بامتن روابط المحبه معه فقد كان يشع انسانية ولطفا بحيث يشعر كل معارفه انهم من اقرب اصدقاءه وحتى اولئك الذين يخالفونه في الراي لم يكونو يملكون امامه غير المحبة والاحترام فما كان التعصب للراي من عاداته ولا كان ممن يشغلون اوقات زوارهم بالحديث عن ايمانياتهم والترويج لقناعاتهم على عكس كل العقائديين الذين اختلطت بهم اقتنع استاذنا بالفكر الجمهوري منذ شبابه الباكر وذلك عن علم ودراسة وحوارات طويله عبر علاقة تتلمذ على الشهيد محمود محمد طه اذ كان من خاصة اصحابه وانجب تلاميذه وقد بلغ من امانته العلميه واحترامه للاخرين انه لم يكن يفتح النقاش حول بعض قضايا الفكر الجمهوري الا اذا طالبه احدهم بذلك وحتى في تلك الحاله كان يورد رايه بكل ادب وهدوء متقبلا مواقف مخالفيه بدون ان يسفه اراءهم فتخرج من مجلسه وقد استوعبت فكرته واعجبت بطرحه صرف النظر عن اتفاقك او اختلافك معه عمل استاذنا معلما بالثانويات سنين طويله وخرج اجيالا من الطلاب وقد تسلحو في مواجهة الحياة بالافكار العلميه ومحبة الحكمة والبحث الدؤوب عن الحقيقه متسلحين بكل القيم الفاضله التى غرسها معلمهم في عقولهم بحيث انتشرو في كل مناحي الحياة نماذج تحتذى في النجاح وحسن الخلق فقد كانو غرس معلم عظيم اذا اعتبرنا ال ضرار هم رواد كتابة تاريخ منطقة البجا مقدرين دورهم الرائد فان محمد ادروب ايضا كان رائدا لم يسبقه احد الى مجال محاولة كتابة اللغه البجاويه(البداوييت) وقد امضى اعوام طويله وهو يبحث ويقارن ويرحل من منطقة الى اخرى متابعا مفردات اللغه البجاويه واساليب نطقها من منطقة الى اخرى حتى تمكن من كتابة اول قاموس بجاوي عربي واهمية جهود استاذنا تأتي في انه كان الاول وبالتالي فلم تنتظره مراجع ولا تجارب اخرى يستند عليها فقد وضع بنفسه قواعد صارمه في البحث اصبحت فيما بعد اثرا عميقا يمشي عليه من تابعو طريقه الصعب الجميل وقد اسس بعد ذلك لطريقته تلك وفق احدث خطوات البحث العلمي عندما كتب رسالته للدكتوراه حول موضزع عمره في كتابة البداوييت وقد لاقى في سبيل ذلك اصنافا من المشقات وانواعا من المضايقات ممن منعهم التعصب من احترام ابسط حقوق مخالفيهم في مجال البحث العلمي وهو مجال ينبغي الا ترفرف عليه غير رايات الحقيقه ويكون الحوار خلاله عبر وسائل البحث العلمي وايراد الحجج والحقائق ولم يقدر من وضعو العقبات الماديه والمعنويه امام بحثه انه كان باحثا تعدى السبعين يحمل باقتدار مدهش مسؤولية بحث رائد يثقل كواهل شباب الباحثين ولو لم يكن لاستاذنا من فضل غير انه قدم بحثه لنيل درجة الدكتوراه وهو في ضواحي الثمانين لكفاه ذلك فخرا مما يعني انه يقف على قمة عمر طويل انفقه في البحث العلمي وقد اختار موضوعا شائكا وغير ممهد بالمراجع وتجارب الاخرين بل كان هو رائده المقتحم لمجاهله بشجاعة الباحثين وايمان الفاتحين ومع الاسف فقد ظل استاذنا وحتى اخر ايامه بدنيانا يسعى لتحقيق حلمه في مناقشة وطباعة رسالته للدكتوراه ورحل عن حياتنا بدون ان يحقق حلمه وليت تلاميذه وعارفي فضله يواصلون احياء مشروع اقامة مركز محمد ادروب اوهاج الثقافي الذي اقترحه اولاده وتلاميذه حتى تتمكن الاجيال القادمه من مواصلة رسالته منذ اعوام بعيده قام استاذنا بالتنقيب في تاريخ منطقة البجا وهو تاريخ شفاهي في اغلبه تطلب منه بحوثا دؤوبة وزيارات الى بوادي الشرق واجراء مئات المقابلات لوزن المعلومات وضبط المصادر حتى اخرج الجزء الاول من كتابه (من تاريخ البجا) وقد غطى جوانب جديده لم تصلها جهود الباحثين وقد اضاف اليها نصوص شعريه وحكايات كشواهد وقد قام بترجمتها الى اللغتين العربيه والانجليزيه شارحا معانيها وموضحا مفرداتها كما تناول ظاهرة التهريب كحالة اجتماعيه عبر كتابه الرائد ايضا (المهرب) تابع استاذنا قيام ومراحل تطور تنظيم مؤتمر البجا من موقع المؤيد لقضايا المنطقه والاهتمام بانسانها فهو لم يكتف بالتأريخ للماضي فقط بل كان لصيقا بقضايا الحاضر باذلا جهودا جباره لتحسين حياة ابناء البجا وفتح فرص العمل والتعليم امامهم عبر صندوق تعليم ابناء البجا وعبرنشاطه الشخصي وعلاقاته المتشعبه والتى جيرها لخدمة منطقته ولهذا لم يكن غريبا عليه ان يكتب كتابا عن (مؤتمر البجا) متابعا انشاء الحزب وتاريخه الطويل وقد تشرفت شخصيا بمشاركته ندوتين بمناسبة الاحتفال بذكرى قيام مؤتمر البجا حيث تحدثنا عن ذلك امام طلاب جامعة البحر الاحمر كان لاستاذنا مجلسه المعهود في بعض الامسيات امام داره في شكل ندوة ادبية وعلميه مصغره يكون فيها المستمع اغلب الاحيان موجها للنقاش بادبه المعهود وقد استفدت والكثيرون من تلك اللقاءات علما وادبا وتعلقا بالبحث عن الحقيقه واحترام الراي الاخر قدم استاذنا لشعبه ذرية صالحه هم نجوم في مجالات اهتمامهم فمنهم الفنانون والموسيقيون والمناضلون والعاملون في كل المجالات وكلهم يسير على طريق الوالد العظيم محاولين قدر الامكان مواصلة رسالته ونشر علمه فهم من نجوم مجتمعنا منارات جميله حيث هم فقد تركهم استاذنا نجوما يهتدى بهم الاخرون توفي استاذنا في 22 يوليو 2013 الموافق الثالث عشر من شهر رمضان المبارك بشكل مفاجئ وكأنه من لطفه باسرته وبمحبيه لم يتعب احدا في تمريضه وهكذا رحل كالنسمة الخفيفه كما عاش بين الناس انسانا شفيفا رقيقا وقد كانت ايام مأتمه مهرجانا للمحبه اذ تبارى الناس في ايراد محاسنه وايات فضله رحمه الله رحمة واسعه وجعل البركه في اسرته وجعل جهوده علما نافعا يثقل ميزان حسناته يوم القيامه استاذنا ادروب مازلنا نسير على دروبك المضيئه دمت خالدا [email protected]