إبان فترة تولي الأستاذ الطيب مصطفى لمسئؤلية محطة التلفزيون القومية في بدايات عهد الإنقاذ .. كان يحكم التلفزيون بعقليته الخاصة المُستشفة من توجهات النظام وأطروحاته لقلب كيان المجتمع السوداني وإعادة تشكيل عجينته التي ظنوها طيعة بالقدر الذي حفزهم الى إنشاء وزارة لغسل الأدمغة مرادفة لوزارتي الإعلام والثقافة والإرشاد سميت وزارة التخطيط الإجتماعي أوكلت مهمتها لأحد أهم أعمدة الإنقلاب وهو الأستاذ علي عثمان محمد طه إمعاناً في إرساء قواعد نهجهم المزعوم في كل زوايا التركيبة الإجتماعية السودانية البانورامية ! حكى لي صديق كان يعمل بالتلفزيون قبل أن يفر بجلده لاحقاً , أن الطيب مصطفي إتصل من منزله بالمخرج المناوب ليأمره بقطع مشهد تعليمي يوضح الكيفية التي يتناسل بها النحل حفاظاً على نوعه باعتباره مشهداً جنسياً فاضحاً ، بل وذكر لي ذلك الصديق الساخر والناقم على تلك العقلية المتزمتة أنه في مرة منع بث فيلم ثقافي ظهر فيه فخذ نعامة كونه من منظوره للفضيلة إنه يشبه فخذ المرأة لذا فهو عورة تستجوب الحجب ! الشيخ يوسف القرضاوي حينما جاء الى التلفزيون لإجراء مقابلة منذ عقدين أو اكثر ، وكان يرافقه وزير الإعلام والطيب مصطفى طلب أن يمر على غرفة المكياج .. فنفى مدير التلفزيون المجاهد أن تكون محطته تتعامل بالمكياج لآنه حرام ! فانتهره الشيخ محتجاً على الإفتاء دون علم بأهمية المكياج لمن يتعرض لإضاءة عالية قد تسبب أذىً لوجه من تسلط عليه لمدة طويلة .. فما كان من الطيب حتى أعاد عمل غرفتي المكياج واحدة رجالية والآخرى نسائية ! صحيح أن الرجل بحكم قربه من سدة الرئاسة إستجلب المال اللازم لشراء المعدات والسيارات وأجهزة التصوير والبث التي تواكب تطور الفضاء ولكنها في الواقع كانت بمثابة حبال بلا بقر.. إذ أنه بالمقابل دمر أرشيفاً تراثياً وغنائياً لايقدر بثمن من منظور عدم فهمه غير الإعلامي لأهمية ذلك الإرث الذي اباده ليسجل في اشرطته برامج ساحات الفداء و ضجيج اللقاءات الجماهيرية لأهل الحكم التي جعلت الناس في الداخل يهربون باصابعهم الى الفضاء الواسع ، بل واصبحوا يطلقون النكات الساخرة تهكماً على طريقة إخفائه لسيقان الممثلات بشبكة لا تستطيع أن تطال الصدور ولا الرؤوس ! ولم يقف ذلك التهكم عند حدودنا بل تجاوزها الى الدول المجاورة حيث يقال أن أماً في إحدى الدول العربية هددت أطفالها في حالة عدم مذاكرة دروسهم ليلاً فإنها ستفتح القناة السودانية عقاباً لهم ! ثم جاءت مرحلة عنجهية ألدكتور أمين حسن عمر الذي أفرغ التلفزيون من الكفاءت ذات الخبرة الطويلة في الإعداد والإخراج والتقديم وقراءة النشرات والتقارير وأبدلهم بشباب موالين للنظام يفتقرون الى الخبرة العملية وتنقصهم المواهب الإبداعية إلا القلة منهم ، فأكمل الناقصة! الان بعض الناس توسموا في تولي الأستاذ السمؤال خلف الله إدارة الإذاعة والتلفزيون خيراً بأعتباره قد يكون أحسن السيئين على الساحة ! ولكنه إفتتح عهده بشطحة إيرانية من العيار الشيعي الثقيل ولم يتبقى له إلا أن يأمر المذيعات بإرتداء التيشادور الفارسي الأسود أثناء الظهور على الشاشة ّ وكان حرياً به أولاً أن يعيد تأهيل مذيعاته ومذيعيه قبل أن يفكر في شكليات ظهورهن التي لا تمثل أضافة أو خصماً على وجودهن طالما أنهن يعانين من قصور التمكن من اللغة والحصافة في إدارة الحوارات أو حتى معرفة الشخصيات العامة من المفكرين والمبدعين والسياسيين ! وليتحقق ذلك لابد من أن يفتح الباب واسعاً للخبرات التي شردتها عقلية الخال الرئاسي و سياسة أمين حتى تسهم في إعادة صياغة وتطوير عقلية التلفزيون من حيث الفكرة والكوادر البشرية وهم الآن منتشرون لتكفف عيشهم في المحطات الخاصة التى قامت على إخفاق التلفزيون القومي ! وأولئك النفر من السيدات والسادة واكبوا التلفزيون وعاركوا مراحل تطوره بعرقهم رغم ضعف الإمكانات الذي لم يثبط من هممهم الإحترافية أو يقوض من عزيمة مواهبهم المتفردة النادرة ! لايمكن للإعلام بصورة عامة و التلفزيون على وجه الخصوص أن ينهض بالمجتمعات إلا إذا وجد العقليات التي تفهم كيفية تسيير العملية الإعلامية إعداداً و إخراجاً وتوصيلاً جاذباً يعيد اصابع المشاهد الى شاشتنا ويكون كل ذلك مدفوعاً بماكينة الإمكانيات المادية للإنتاج والتحفيز وقبل كل شي أن يسير في إتجاه رسالته وفق توفر الحرية البعيدة عن أي تسلطٍ فكريٍ بعينه أو تولي شخصيات لا تملك لا الأهلية الإبداعية ولا العقلية الإعلامية ولا حتى المرونة في التعاطي مع أهل الخبرة و إفساح المجال لهم لوضع الرؤى التي تنهض بالأجهزة لتصبح قادرة على المنافسة في فضاء بات فيه التنافس على جذب المشاهد على أشده .. وإلا فلن يجدي تغير أحمد بحاج احمد طالما أن الطاقية التي عند الرأس هي ذاتها المشدودة عليه إلباساً بالعافية رغم ضيقها وقدِمها ! [email protected]