(مين غاب عنك أصله، دلك عليه فعله) بقلم: * (ليس صحيحاً أن الناس معادن، إذ لا يزال بعضنا غير قادر على التوصيل أو التواصل، فالأخشاب ليست معادن..). - محمد مستجاب - كاتب مصري ساخر .. كنا جلوساً نتحادث أحاديث شتى، أحاديث تناولت سير السائقين المستهترين الذين يتسببون بخسائر في الأرواح والأموال، قال أحدنا : هؤلاء يجب قطع رؤوسهم قولاً واحداً. وحين تطرق الحديث إلى سير من يغش الأطعمة والحليب واللحوم، أضاف صاحبنا : وهؤلاء يجب قطع رؤوسهم أيضاً. قلت له : مع أني أنا أيضاً أطالب بمعاقبة هؤلاء، ولكني أود أن أسالك سؤالاً وهو، هل كان أحد أسلافك جلاداً يقطع الرؤوس؟ قال : لا أدري، ولكن لم السؤال؟ قلت : لأحكي لك هذه الحكاية : يروى أن أميراً ذهب إلى سوق العبيد وعاد بعبد اشتراه بسعر عال جداً ليخدم ضيوفه في قصره، والأمير دفع السعر العالي لأن صاحبه قال عنه إنه عبد فهيم يفهم في كل الأمور، وكانت للأمير معرفة بالناس أيضاً. بعد أيام نادى الأمير عبده وقال له : يا عبدي لقد أشتريت حصاناً قيل لي إنه حصان أصيل، فخذه وعاينه وقل لي هل هو حصان أصيل أم لا. وطلب العبد من سيده أن يمهله ثلاثة أيام لمعرفة الحقيقة، وعاد بعد انقضائها ليقول له : يا مولاي هذا حصان أصيل ولكنه تربى وكبر مع البقر. غضب الأمير وأمر بإحضار من باعه الحصان، وهدده ليقول له الحقيقة، وعرف منه أن الحصان حصان أصيل ولكنه أرضع من بقرة ريثما اشتد عوده لأن الفرس التي ولدته ماتت بعد ولادته. وسأل الأمير عبده : كيف عرفت ذلك؟. أجاب العبد: يا مولاي الحصان الأصيل يغب الماء غباً حين يشرب. أما هذا الحصان فإنه حين يشرب يتناثر الماء ويسيل على جوانب فمه، وهذا يحدث مع البقر فقط. سرّ الأمير من فطنة عبده وطلب من طباخه أن يزيد رغيفاً لوجبة العبد مكافأة له. ومضت أيام أخرى، ونادى الأمير عبده مرّة أخرى وقال له : خذ يا عبدي هذا الصقر، لقد اشتريته على أنه صقر (حر)، فانظر وعاينه وقل لي : هل هو (حر) أم لا ؟. ومن جديد طلب العبد مهلة ثلاثة أيام للجواب، وعاد بعد انقضائها ليقول لمولاه : يا مولاي، هذا (حر) تربية دجاج. وأيضاً غضب الأمير وأحضر من باعه الصقر، وعرف منه أن الطائر حين كان فرخاً صغيراً وضع بين الدجاج ليتعلم تناول الطعام لأن أمه لم تكن موجودة لتعليمه، وكان سيموت لولا ذلك. وسأل الأمير عبده : كيف عرفت ذلك ؟ فأجاب العبد : يا مولاي، الصقر حين يأكل ينهش اللحم نهشاً، يقتطع قطعة ويبتلعها فوراً، أما هذا الطائر فينقر اللحم ويجره على الأرض حتى يتقطع، ثم يبتلعه، وهذا فعل الدجاج. ومرّة أخرى سرّ الأمير من فطنة عبده وأمر بزيادة رغيف لوجبته مكافأة له. وتكمل الحكاية روايتها فتقول : وحين جاء الخريف وكان خيّراً، وفي يوم من أيامه، نادى الأمير عبده، ولخاطر مرّ بخياله، سأل عبده : أريد يا عبدي أن تقول لي، هل أنا ابن أمير أم لا ؟ قال العبد معتذراً بشدة : أرجوك يا مولاي أن تعفيني من الجواب. قال الأمير بحزم/ لا إعفاء ولك ثلاثة أيام لتجيبني. قال العبد : أعطني الأمان يا مولاي وسأجيبك الآن فلست بحاجة لثلاثة أيام. قال الأمير : لك الأمان فقل. قال : العبد : أنت ابن (فرّان) يا مولاي، ولست ابن أمير. وبهدوء مضى الأمير إلى أمه، وحملها وذهب بها إلى نار كانت موقدة غير بعيد، وقال لها : هذا العبد مجرّب، فقولي لي من أبي الحقيقي، أو أحرقك بهذه النار. قالت : الأم يا بني وجهي أسود من الله قبلك، ولكنها شهوة الملك، فزوجي الأمير كان عقيماً، وخوفاً من ضياع الأمارة منا، كان لقاء واحد مع ( فرّان) كان يخبز لنا، وكان أن جئت أنت، ولم يكن هنالك غيرك. ونادى الأمير عبده وسأله : كيف عرفت ذلك؟. قال العبد : من مكافأتك وأعطياتك يا مولاي، فكلما أديت لك عملاً يرضيك، تكافئني برغيف، وهذه أعطية فرّان وليس أعطية أمير. التفت إلى صاحبي بعد أن أنهيت الحكاية وقلت له : يا صاحبي، يا سليل قطاع الرؤوس، مع أنني مع معاقبة كل من يسيء قليلاً أو كثيراً، ولكني أيضاً مع مقولة تقول : ليس بقطع الرؤوس وحدها تستقيم الأمور، هنالك أمور كثيرة علينا القيام بها قبل ذلك. [email protected]