بسم الله الرحمن الرحيم (إرفعوا عنا هذه السياط) كان العنوان الرئيسي لصحيفة حائطية في مدرسة كسلا الثانوية بنين في أوائل ثمانينيات القرن الماضي..أثار نقاشاً واسعاً في أوساط المعلمين وانتقل إلى حديث مدير المدرسة أستاذنا الزين حامد متعه الله بالصحة والعافية.. لدى اجتماعه العام بالطلاب.. لاقتراح البديل الممكن في ظل التركيبة المعروفة للمجتمع السوداني..واجتمعت الآراء أن هنالك طلاب لا يتعرضون للجلد أصلاً إلا عن طريق الخطأ أو العقاب الجماعي ويتعرضون للإجحاف..لكن البقية الغالبة..تواجه المدرسة مشكلة كبيرة في التعامل معهم ..حيث أن الأسر نفسها تعاقب الأطفال الصغار جلداً وتقريعاً وألفاظاً مهينة لكرامة الطفل وإنسانيته..إضافة للنشأة البدوية والريفية لمعظم التلاميذ حيث عنف البادية والريف..ما يجعل قيادهم صعباً دون ما تعودوا على الطاعة به..أما المتعلمون من الآباء ..ففي ذاكرة كل منهم معلمين كانوا يعاقبونه وغيره جلداً ..مع كامل الموافقة من الأسر حتى سادت الجملة المعروفة ( ليكم اللحم ولينا العضم) .. ويعتبرون هذا جزءاً من عوامل نجاحهم.وأذكر جيداً في بداية عملي بمهنة التدريس..أن معلماً بريطانياً معاراً للانجليزية كان يحمل أفكاراً مثالية للاستعاضة عن عقوبة الجلد..وجاءني يوماً وقد ازداد احمراراً في وجهه يقود طالباً مشاغباً..هذا الصبي ..يمكنك قتله إن جاز لك .. وقد أوضح العم شوقي بدري أن الكرباج والخيزران كان يوزع مع الكتب والمهمات الأخرى من قبل الدولة..وتقنين العقاب بتحديد مواضع الجلد وتحاشي تنفيذ العقوبة عند الغضب..وقد ردت معلمة على طلبي بالتقيد بهذه الضوابط ب ( ما بكون اتفشيت!!).وبالطبع هذا فهم مغلوط بالكامل لدواعي العقوبة. ولئن كان في المدارس الثانوية صول لتنفيذ العقوبة..يكون كبيراً في سنه بقلب والد..إلا أن مرحلة ما قبل الثانوي خلت من ذلك مما جعل تنفيذ العقوبة من لوازم عمل المدرسين.. ما سبق أثاره الجدال الدائر بين ملاحظة الوزارة بضعف الطاعة بعد إلغاء عقوبة الجلد.التي اختفت في دول كثيرة..وقد عانى المعلمون المعارون لدول الخليج من التعامل مع اللوائح التى تمنع الجلد..وقال أحدهم ساخطاً..وقد كان معاراً لدى سلطنة عمان..إن الطلاب يحفظون قانون منع الجلد أكثر من دروسهم..وسأهتم فيما يلي ببعض العوامل التي تضع المدرسة امام عقوبة الجلد مباشرة دون غيرها وهي في تقديري عير ما تقدم: ارتفاع أعداد الطلاب في الفصل مما يجعل المعلم عاجزاً عن اللجوء لأي عقوبة بديلة عند حاجته لفرض الانضباط سلبية الثقافة السودانية في التعامل مع المواعيد..وتناقض ذلك مع ما هو مطلوب في المدرسة ..حيث تتعارك ثقافة الضحى والضهرية والعصرية المفتوحة في التعامل مع الزمن مع الساعات والدقائق المطلوبة في المدرسة..ما يجعل عقوبة الجلد الأقرب تنفيذاًلسرعة الضبط. وتعتبر عقوبة التأخير حتى بدون مشكلة المواصلات أكثرها تنفيذاً. الاضطراب الشديد في المناهج وكثرة التغيير والتعجل فيه ما يجعل الطالب نافراً منها والمعلم مجبوراً على تنفيذها بأقصر الطرق. اقتصار التدريس على القاعات طوال اليوم لانعدام المعامل المختلفة ما يوتر العلاقة بين المعلم والتلميذ بسرعة ما يؤدي إلى لجوء المعلم للعقاب البدني لنجاعة الضبط. خلو المنهج بالكامل من الزمن المخصص للمناشط التربوية وعزوف المعلمين حتى خريجي كليات التربية عن الاهتمام بها..ولي تجربة شخصية في أثر الاهتمام بها ..حيث تختلف علاقة المعلم بالطالب كلياً..فعندما كنت مشرفاً على جمعية الموسيقى والمسرح ومنشط الكرة الطائرة صار أكثر الطلاب حتى ممارسي الأنشطة التي لا اشرف عليها ..صار أكثرهم تمرداً أصدقاء ودودين يتحاشون مخالفتي وأتحاشى عقابهم..فلا فن مع القهر والعقاب..وكان الزملاء والطلاب يتعجبون من جلوس المشاركين في بروفة تربيزة لمسرحية أو بروفة عمل موسيقي جماعي في مكتب المدير في حالة عدم وجود مكان آخر.. وشخصياً أدين لكل اللاعبين والممثلين والمغنين ممن تعاملت معهم من الطلاب في تخفيف غلواء كانت تسم فرضي للانضباط. الضغوط الاقتصادية المفضية إلى التوتر العام ما ينعكس سلباً على أداء المعلم . لكل ما سبق وغيره أعتقد أن الأمر اشمل وأعمق من مجرد وضع لوائح تجيز عقوبة الجلد أو حذفها .. بل تغيير شامل يطال البيئة التعليمية والمناهج ونشر ثقافة تقبل الرأي الآخر في المجتمع .وكما كتب الأستاذ نبيل أديب .. مالنا نتحدث عن عقوبة الصغار وفي القوانين السودانية ثلاثون عقوبة جلد مع أن الشريعة بها ثلاثة فقط؟ [email protected]