لست في المقام الذي يعطي قلمي المتواضع الحق في تجريم أحدٍ أو حتى إتهامه دون برهان أو دليل مني أو من صاحب حق ضائع ! أياً كان ذلك الشخص و أياً كان موقعه من إعراب الحياة ! بيد أنني ودون تعليق مني أطرح فحوى رسالة تلقيتها من أحد الأخوة الذين يكابدون داخل المعمعة في السودان فلم يجد حبل نجاةٍ يتعلق به هناك كما جاء في رسالته بعد أن كادت تبتلعه بئر روتين الإجراءات القضائية السلحفائية العميقة والتي لا تخلو من الغرض على حد تعبيره .. فقرر أن يلجأ لراكبوتنا عبر الأسفير الواسع محسناً الظن فينا مشكوراً ويطلق صرخته من عليها علّ صوته يجد من يستمع اليه وينتشله من أعماق مأساته التي طالت في أروقة القضاء حتى سلبته ربما أكثر مما سيتحقق له في حالة الحكم لصالحه ! الرجل عرض قطعة أرض زراعية للبيع وهي واقعة في حيز تم ضمه الى المساحات السكنية التي طالها المسح في أحد أطراف العاصمة القومية التي ترهلت لتبتلع المساحات الخضراء من كل جانب في كرش الفيل الكبيرة تلك ! وحتى يتسنى له إكمال البيع لابد من أن يتسلم شهادة تحسين من الجهات الرسمية المنوط بها التصريح بذلك لإثبات أن الأرض فعلاً باتت داخل الخطة الإسكانية.. وقد كان له ذلك وأقتنع المشتري بكافة المستندات اللازمة و تم الإتفاق على السعر بينهما ! ولكن فجأة يظهر من يعترض على البيع مدعياً أنه صاحب الأرض الرزاعية قبل تحويلها الى سكنية .. وفتح بلاغاً بذلك أحيل الى القضاء منذ ثمانية أشهر بالتمام والكمال ومنذ الجلسات الأولى ثبت للمحكمة أن ذلك المدعى محترف ومتفرغ لمثل هذه الأفعال بغرض إبتزاز الناس بأوراق مزيفة ليتسنى له ومحاميه المزعوم الحصول على تسوية خارج المحكمة ومن ثم يتنازل ، إذ يضطر بعض اصحاب الحاجة الى قبول ذلك الأسلوب ، درءا للوقوع في مطاولات المحاكم الهلامية كما هو معلوم ! صاحبنا رفض التسوية لإقتناعه بأنه صاحب حق أصيل لا جدال فيه ولثقته في عدالة القضاء حتى تلك اللحظة ،بل أثبت محامية أن ذلك الشخص سبق ان نال حكماً بالسجن عن واقعة إحتيال مشابهة سابقة .. وهو الآن بعد أن قضى محكوميته هارب خارج البلاد بعد أن رمى بتلك القضية لمحامية الذي ظل يسوف و يماطل بتكرار طلب التأجيل بدعوى غياب موكله تارة وإختلاق مسببات أخرى في بعض المرات ! بل والأدهى وأمّر أن عدداً من الجلسات على مدى الثمانية أشهر كانت تؤجل لظروف خاصة بالقاضي الذي يقوم بالنظر في القضية ، إما لمرضه وإما لسفره الى الخارج أو مرض أحد أفراد اسرته أو لوجوده خارج العاصمة في إقليمه البعيد لحضور جنازات ومأتم اقاربه ! صاحب القضية ألان بات في ورطة مع أهل الإلتزامات من الدائنين الذي ضاقوا ذرعا بكثرة وعوده بسداد ديونه لهم حالما يستلم قيمة الأرض من الشاري الذي يشترط إكمال البيعة بعد إنهاء النزاع مع ذلك المدعي الهارب ، بل ووصل بالرجل أن بات مهدداً بايداع بعض الشيكات التي حررها لآخرين لدى الشرطة والنيابة بعد ان نفد صبرهم عليه ، ظناً منهم أنه ربما كان يحتال عليهم هو الآخر بذريعة القضية التي باتوا يعتقدون أنها وهمية ! قال النبي صلى الله عليه وسلم " القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل قضى بغير الحق فعلم ذلك فذاك في النار وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة " .. فإذا كان ذلك قول النبي الكريم في القضاة .. فماذا سيكون قوله في الخليفة الذي يولي القضاة ولكنه غافل عن ما يفعله قضاته في رعيته ومن يتلاعبون بالقوانين و ثغرات الإجراءات من المحامين المنتفعين .. ! وكابسط مثال على حرصه صلى الله عليه وسلم على أن يكون الحاكم رؤوفاً رحيماً برعيته كما ينبغي أن يكون مع أهل بيته .. من منطلق . كلكم راعٍ وكلكم مسئؤلٌ عن رعيته . فقد عزل صلى الله عليه وسلم عاملاً من الولاة وكان في حضرته فرأى الحسن والحسين وهما طفلان يتعلقان بظهره الكريم و رقبته الطاهرة ، فدهش الرجل وقال للنبي والله لدي من الأولاد والبنات عشرة لم اقبل احدهم قط في حياتي .. ! فزجره صلى الله عليه وسلم قائلاً بما معناه إن لم تكن في قلبك رحمة على أهل بيتك فكيف أوليك شان الرعية ! تلك مأساة هذا المواطن ودون أن نصدر حكماً مسبقاً أونعلق برأي قد يخرجنا عن دائرة الحيادية خوفاً من ظلم طرف غائب .. نسردها ملخصة ً عن رسالته .. ولعل العشرات ممن يعانون من ذات النمط من المشكلات هم الآن عالقون على حبل التسويف والمماطلات على شاكلة صاحب القصة أعلاه لاسيما قضايا الأحوال الشخصية التي غالباً ما تكون المراة هي الطرف الضعيف فيها ! عسى أن يصلح الله ميزان عدالتنا إذا ما كان قد مال عن الحق .. وأن يولي أمرنا حاكماً صالحاً .. لينعدل الحال المائل كله .. إنه مجيب حكيم . [email protected]