قبل مايقارب الثلاثين عاماً أو نحو ذلك بقليل أصدر حاكم إحدى الدول العربية مرسوماً يقضي بدمج وزارتي الإعلام والداخلية لتصبحان تحت سلطة وزير واحد ! .. فكان أبلغ تعبير ناقد بسخرية لهذا الإجراء الغريب أن رسم أحد فناني الكاريكاتير ماهو ابلغ عن كل مقال وعمود .. إذ صور لوحة كبيرة على واجهة تلك الوزارة كتب عليها وزارة الداخلية والإعلام ولكنه وضع كشطاً بعلامة الصليب على كلمة الإعلام وكتب أعلاها عبارة الإعدام ! ربما كان الإجراء فعلاً مثيراً للسخرية في مظهره وجوهره معاً ولكنه في رأي المتواضع كان يحمل معنى أعمق لصدق ذلك الحاكم الذي جاهر بحقيقة يخبئها الكثير من الحكام تحت عباءة كذب إستقلالية الإعلام في بلداننا المنكوبة بدكتاتورياتهم عن أجهزة الأمن ! فعلى سبيل المثال حتى لا نذهب بعيداً فحكومتنا الإنقاذية تسند حمل حقيبة الإعلام الثقيلة على ظهر وزير عجوز جاء منحنياً من هامش الثقل السياسي جماهيريا وليس له كارزما جاذبة للإقناع والذي همه أن يرضي أولياء نعمته بالبحث عن وسائل يغلق بها الفضاء في وجه الحقيقة التي تهدد وجوده في الكرسي المتهالك وإذا ما فشل في حمل تلك الأسفار وهو يفعل كالذي يريد أن يغطي الشمس بإبهامه في زمان بات ذلك الفضاء هو الذي يتنزل الى الناس على أرضهم ولا يكلفهم مشقة الصعود اليه ! بينما الذي يملك حق التصرف في أسرار و محتويات تلك الحقيبة الحصري هو وزير الدولة الشاب فتى المؤتمر الوطني المدلل الدكتور ياسر يوسف، بيد أن مفتاح الحقيبة مربوط في سلسلة تتدلى من رقبة رئيس جهاز الأمن الفريق محمد عطا يعطيه في آخر الليل لمن يكلفه بالفتح والإغلاق ! فالإعلام الحقيقي لا يأخذ مداه في مسار الانطلاق الصحيح الذي يحقق طموحات التوق البشرى والانساني للتعبير دون فوضى ولا خوف في ذات الوقت ، لابد أن ينص عليه دستور توافقي في جو ديمقراطي ليس بالمعنى المجازي لكلمة ديمقراطية في هلاميتها التي تشكل منها الانظمة الديكتاتورية تماثيلا بلا روح وان بدت مصقولة وفي ملس الرخام البارد. أي أن يكون اعلاماً حياً متفاعلا و متجدداً مع مياه الأحداث حيثما جرت تحليلا و تفعيلاً بعيداً عن غرض الذات والتغفيل أو إرضاء السلطات متقيداً وموجهاً بروح ٍدستورية تفصل السلطات عن بعضها في حلقات لابد أن تتكامل برقابها مجتمعة في مسيرة الدولة الديمقراطية المدنية ، أي أن يكون حراً و عينا علي السلطة والمجتمع ويقف منهما على مسافة واحدة ويتحرك ناحية الحق في اللحظة الحاسمة ، وفي ظل سلطة تنفيذية منتخبة انتخابا لا تغول فيه لحزب بعينه على مقدرات الصالح العام ، ولن يقوى على اداء دوره كاعلام جماهيري في وجود سلطة تشريعية ينام اعضاؤها على نسائم تهب عليهم بالعطايا والرضاء من نوافذ الحاكم ، ولن يعلو صوت الاعلام ، والقضاء هو مجرد أدوات يستلفها الممثل على مسرح منصاته وهي عبارة عن عباءة ولحية وعصا ونصاً منسوخا بيدِ من لن يكتب نفسه شقياً ، وهو يمسك بالقلم. [email protected]