بقلم: بقلم صلاح محمد علي [email protected] === في الأمسية الشعرية التي كان ضيف الشرف والمتحدث الرئيسي فيها بالنادي النوبي بالخرطوم مساء الجمعة 21 نوفمبر 2014 م أسعد شاعرنا الكبير محمد المكي إبراهيم الحضور عندما ذكر، بانشراح واضح، أن من أبرز الشعراء الذين يحبهم الشاعر النوبي المخضرم سحُيم عبد بني الحسحاس. كان سحيم نوبياً أعجميا أسود أشتراه بنو الحسحاس، و هم بطن من بني أسد بني خزيمة. ويعتبر سحُيم من الشعراء المخضرمين لأنه عاصر فترة الجاهلية وفجر الإسلام وعرف بأنه كان حلو الشعر رقيق الحواشي. و يروى أن أول ما تكلم به سُحيم من الشعر أنهم أرسلوه رائداً فجاء وهو يقول: أنعت غيثاً حسناً نباته *** كالحبشي حلوة بناته فقالوا شاعر والله! ثم انطلق بالشعر بعد ذلك. و قالوا أنشد سحيم عمر بن الخطاب قوله: عميرة ودع إن تجهزت غازياً *** كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً فقال عمر: لو قلت شعرك كله مثل هذا لأعطيتك عليه! و في رواية لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك! و قالوا حدّث الأثرم عن أبي عبيدة عن أبي خليفة عن محمد بن سلام قال أنشد عبد بني الحسحاس عمر بن الخطاب قوله يتشبب في إحدى نساء مواليه: توسدني كفاً وتثني بمعصم *** علي وتحوي رجلها من ورائيا فقال عمر : ويلك إنك مقتول. فلما غدوا به ليقتلوه رأته إحدى نسائهم كانت بينها وبينه مودة ثم فسدت فضحكت شماتةً به فنظر إليها وقال: إن تضحكي مني فيا رب ليلة *** تركتك فيها كالقباء المفرج و له أبيات ناصعات يأتي في مقدمتها: أشعار عبد بني الحسحاس قمن له *** يوم الفخار مقام الأصل والورق إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً *** أو أسودَ اللونِ إني أبيض ُالخلق ويقول شاعرنا المكي إنه في مطالع شبابه فتن بسحيم وحياته المأساوية فتنة شديدة وأنه شرع في كتابة مسرحية شعرية عنه نشر فصلها الأول في صحيفة الأيام عام 1968 - لكنه لم يكملها حتى اليوم .. ويضيف أن سحيم هو الشاعر العربي الوحيد الذي لم يخيفه السجن ولا الجلد بالسياط وحين حوكم بهاتين العقوبتين قال ساخراً: وما السجن الا ظل بيت سكنته *** و ما الجَلد إلا جِلدة خالطت جِلدا و قد حكي الشاعر السعودي الراحل غازي القصيبي مأساة سحيم في ملحمة شعرية باعتبارها تجربة مؤلمة لشاعر دفع حياته ثمناً لتغزله بنساء مواليه غزلاً صريحاً – بل فاحشاً في بعض الأحيان لحد وصف التسافد - وهذا ما جعلهم يقتلونه حرقاً بالنار! جاءت قصيدة القصيبي في شكل محاورة بين سحيم وأمه ومحبّيه الذين يريدونه أن يأتي بأي عذر كي لا يقتل لكنه يأبى، وجعلت سحيم الأسود غراباً وسيماً معشوقاً من قبل النساء - ففي القصيدة : كانت سميّة أول بنت تحب الغراب وأوّل بنتٍ تقول: غرابٌ وسيمٌ وسيم وساعتها صرتُ أبهى الرجال وأجمل من هؤلاءِ شديدي البياض شديدي الأنوثة رغم اللحى والشوارب أجمل من هؤلاء الرجال/ النساء أنا عبد سمّية ..عبد الجميلات عبدٌ وحرّ" ويأتي بعدها لحوار مع أمه ترتجيه باسمها وباسم أبيه الذي لم يره أن يزعم أن قصائده ليست له، وأن الذي كان لم يكن .. فيقول: أنا العبدُ – يا أمُّ - عبدُ الجميلات كيف أدوس الولاء؟ وأزعم أن الذي كان.. ما كان؟ كيف أخون القصائد؟! سطّرتها بدموعي في الرملِ ؟! سطّرتها بالأظافر في النخلِ؟ حياتيَ يا أمُّ غيدٌ وشعرٌ فكيف أخون حياتيَ؟! ومن ثمّ يمرّ على عميرة وأبيه وهند وميّ وبثينة. حتى جاءت اللحظة وأخذته القبيلة لترميه في النار يقول مرتجياً ربه: " ياربّ أسلمت وجهي إليكَ وفوّضت أمري إليكَ وألجأت ظهري إليكَ وهل ملجأ منك إلا إليك؟ ويا ربُّ! تعرف أني عصيت كثيراً وتُبتُ كثيراً وعدت كثيراً وياربُّ! هذي جهنّم قبل جهنّم! هم يحرقُونيَ بالنارِ. ما كان للعبدِ أن يَحرق العبدَ بالنّار والعبد -ياربُّ- عبدُك " و أشير إلى أن لسحيم ديواناً مطبوعاً بتحقيق الأستاذ /عبد العزيز الميمني رئيس قسم اللغة العربية بجامعة عليكرة بالهند نشر عام 1950م. = = = = = [email protected]