*(لا أملك شخصاً يخاف أنّ يخسرني ولا ينام حتى يعرف أخباري.. لذلك يمكنني أن أغيب .. متى شئت!..). - .... - .. بالرغم من حرصي على الظهور بمظهر الشخص العلماني، والدفاع عن العلمانية، إلا أنني حريص جداً على قراءة برجي الفلكي يومياً في الصحف التي تقع بين يدي، وقديماً عندما كنت في قريتنا المزنرة بالخضرة والمحبة والمحنة، كنت شغوفاً بجلسات (الودع) المضمخة والمترعة برائحة البن والبخور. اليوم كان البرج يقول لي: تفكر كثيراً بمستقبلك وتحاول تركيز الدعائم للإنطلاق في آفاق جديدة ستكلل بالنجاح. عليك التسلح بالصبر. ابتسمت من طالعي الذي قرأت والسبب أنني سأكمل بداية الشهر القادم، السابع والأربعين ربيعاً من عمري، وإذ استخدم الربيع، فلأنني وبمصادفة بحتة ولدت بداية شهر مايو، أي بعد دخول فصل الربيع ببضعة أيام، وإنني أعرف مستقبلي جيداً، فلا مفاجأت فيه سوى ما قد يحمل بعضاً من أمراض الشيخوخة التي تصيب المسنين، وهذا ما سأتلقاه بالتسليم بسنة الحياة. وقد أكون في هذه الحالة، مختلفاً عن الرئيس السوري الذي يكبرني بعامين من الزمن وبضع أيام وهو الآن مشغول بالتفكير بمستقبله، وقلق عليه. منذ بضع سنوات طلب مني طبيب العيون مراجعته لإجراء عمل جراحي لعيني. فقدمت إليه بعد مرور أكثر من سنة على الموعد. وحين طلب تفسيراً لتأخري أجبت بأنه ليس عندي زوجة، ولا ولد، وأنني متقاعد من الوظيفة، ولست حزبياً، وأنني غير ملتزم بأي مسؤولية، ولذا أعيش على مهلي وغير مستعجل على أي شيء. وأضيف الآن إلى ما سبق بأنني أستاذ جامعي متقاعد ومزارع كسلان، وصحفي فاشل، وثوروي تارك، وحالم مستقيل، ولا عمل لي سوى الجلوس في الضللة أمام الدكاكين ومع ستات الشاي، وانتقاد سائقي الركشات والدفارات والحافلات والكيزان والحكومة واللصوص والتقاليد والسائد والعادات والموروث، أما برجي الذي قرأته اليوم، فلو أنني قرأته في مطلع شبابي الأول أو الثاني، لكنت أخذته ملء عقلي، حيث كان المستقبل محور تفكيري في طلب النجاح والزواج وتحقيق الاشتراكية والعدالة الاجتماعية ودحر الاستعمار والامبريالية والحصول على الحرية حتى لآخر دولة في الكرة الأرضية والسلام لكل شعوب المعمورة. أتساءل كيف أستطيع التوفيق بين العلمانية التي أدعيها، وبين الولع بقراءة البرج، والصحف العلمانية تحرص على باب أنت والنجوم أو حظك هذا اليوم إضافة إلى الكم الكبير من الكتب التي تملأ المكتبات وتتناول الحظوظ والأبراج، وإقبال الناس على شرائها.. ترى هل يعني هذا أن معظمنا يضع رجليه في القرن الحادي والعشرين، ورأسه في القرن الرابع عشر، أو قبل ذلك بكثير؟. أو ليست هذه مشكلة في أن يتخلف الرأس عن القدمين؟. [email protected]