ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا يهتف الناس: الشعب يريد اغلاق المساجد
نشر في الراكوبة يوم 17 - 12 - 2014

وهل امتطى احد ائمة المساجد سيفه بحثا عن الفقر ليجز رأسه؟
برسالة على "الواتساب" زودني احد الاصدقاء من الخرطوم، سأرمز اليه بحرف (دال)، بالعمود اليومي "حديث المدينة" الذي يكتبه الاستاذ عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة "التيار".
في معرض تعليقه على ما أكد انه خبر ورد في معظم الصفحات الأولى لصحف الخرطوم حول تكفير بعض ائمة المساجد الدكتور حسن الترابي، انهى الصديق الاستاذ عثمان ميرغني، زاويته الراتبة يوم الخميس 11 ديسمبر الجاري، بالفقرة التالية: السودان فيه ما يكفي من شلالات الدم.. وأنهار الأحزان واليتم والترمل.. فلماذا تتحول خطب المساجد إلى شرارات فتن؟ أدركوا السودان.. قبل فوات الأوان.
ما ان انتهيت من قراءة "حديث المدينة"، وبالفعل كان موضوعه ولا زال وسيظل لفترة طويلة حديث المدينة، قلت في سري كلمة "برافو" التي عندما أجد ما يفيدني في مقال ما، أصْبَحْت انطقها احيانا جهرا، غير عابئ بان من حولي قد يظن بي الظنون. كتبت ذات الكلمة لصديقي (دال) فبدأت بيننا رسائل على النحو التالي:
دال: عليك ان تحيل رسالتك السابقة لصاحب حديث المدينة. ولكن، دعني افيدك ان كنت لا تعلم، انه لا يتعامل مع الواتساب. استراح ام أراح، لا ادري.
عصام: عثمان يكتب لكل الناس يوميا، وعادة يبقى ما يكتبه حديثا في المدينة إلى ان يكتب غيره. وعليه اعتقد انه استراح، فليس لديه وقتا كافيا للواتساب، وتعلم انه يسرق الوقت. ومع ذلك، مَنْ تظن انه أراح؟
دال: تدرك جيدا موقفي من كل من له شبهة صلة بجماعة الاسلام السياسي، وعثمان ضمنهم. على كل، انه قلم جرئ ومقروء، وفي كل مجالس المدينة التي غشيتها حينها، تضامنت معه بشدة بعد الاعتداء اللئيم الذي حدث له. سامح الله البعض من اصدقائك الصحفيين الذين ربما دون ان يدروا تسببوا فيما اصابه. ولكن، يجب ألاَّ ننسى ان عثمان ميرغني ساهم مع غيره في زرع ما حصد في نفسه وفي جسده. ليكن ما حدث له كفارة.
عصام: وهل سيحصد الشيخ الترابي من ألسنة أئمة المساجد، غرسه وزرعه الذي سقاه نصف قرن من الزمان؟ أخشى من "حجم" كفارته، منطلقا من قولك حول ما حدث لصديقي عثمان.
دال: دعنا من ذلك الان، وإليك ما أفكر فيه. ان الحديث عن المساجد وأئمة المساجد اصبح يتطلب اكثر من مقال من أكثر من شخص، بل حملة قوية، ان لم تستطع الصحف استضافتها فلنا في الفضاء الرحب مجالا واسعا ومفتوحا.
إما ان تعود المساجد كما كانت قبل ان يسيطر عليها اهل الاسلام السياسي، او تترك لهم المساجد ينعقون فيها كما يريدون.
إلى ان يقضي الله فيهم أمره، لم لا تُتْرَك لهم المساجد؛ زيتهم في بيتهم؛ يفعلون فيها ما يفعلون كما يحدث منهم في كل دوائر الخدمة العامة التي لم تعد لها اية علاقة بما هو عام من شئون العباد وأصبحت مرعى خاصا لأهل الاسلام السياسي؟ لماذا لا تنطلق حملة تحدد على الاقل المساجد التي يخطب فيها مؤيدو المشروع الظلامي لأهل الاسلام السياسي؟
بعد ان اخرجونا من دوائر الخدمة المدنية والأجهزة والمؤسسات القومية وجعلوها حكرا لهم ولأولادهم، لماذا نشاركهم مساجد، وآداب الاسلام لا تسمح لنا بمقاطعة الأئمة فنخرج منها والعبرة في سقف الحلق ونتبادل هز رؤوسنا فلم تعد تستحمل حمل عمامة؟ لماذا لا ندعو الناس لمقاطعة المساجد الموبوءة بالداء المعدي؟ انه داء اخطر من الايبولا التي قام عليها المجتمع الدولي ليكافحه. متى وكيف نحصن الاجيال الجديدة منه؟ جيلنا حامل الفيروس اللعين ميؤس منه، فكيف تنجو الاجيال الجديدة التي تواجه القاعدة خلفها وداعش أمامها؟ وأين المفر، طالما مرجعية أئمة غالبية المساجد في السودان هي ذات مرجعية داعش والقاعدة؟ صدقني يا شقيق، نحتاج لذلك حتى لا يهتف الناس في يوم قادم "الشعب يريد اغلاق المساجد" أو "الشعب يريد إنزال السبابة"، فقد كان رفع السبابة والهتاف الانصاري "الله أكبر.. الله أكبر" سِيَّان وكان ذكرا صوفيا سودانويا "الله في.. الله في.. الله في" فصادرها اهل الاسلام السياسي لتصبح علامة لا تمل استعمالها حتى تابيتا بطرس، المترهلة في كل شيء حتى في الوظائف، لتعرض بها عند مشاركاتها التجريدات والنفرات والحفلات والتكريمات والهبالات والسخافات وشغل المشاطات والشعبطات بجانب الرئيس وصحبه عندما تدق طبول الرقص ويلعلع "الساوند سيستم" فتهتز اجسادهم ويفيض جسدها فتنوم المادة 152 من قانون يُجْلَد بموجبه النساء وتهان كرامتهن. يا اخي الشعب حقا "يريد انزال السبابة"، فقد اختطفها اهل الاسلام السياسي ضمن ما اختطفوا في عملية اعادة صياغة المجتمع لصالح تمكينهم ونهبهم ثروة البلد وصارت ذات العلامة التي كانت اشارة الى ان الرب فوق، تذكرنا بكثرة استعمالها من قبل ال غسان الوالغين في المال الحرام بكل ما هو تحت، اي نعم يا شقيق، كلما هو تحت ووضيع من اعمالهم وأفعالهم وأقوالهم، والتي لا تستحق ان تتعامل معها إلاَّ بالنعال، اعزك الله.
لم أرد على صديقي (دال) الذي فاجأني حقا بتلك الرسالة الطويلة. جلست أفكر وأضرب أخماسا في اسداس وأسأل نفسي.. هل خَطَّها على التو أم انها كانت جاهزة، ليس في ذهنه فحسب، وإنما مكتوبة؟ هل أرسل لي (دال) مقال عثمان ميرغني مدخلا لرسالته؟
تركت تلك الاسئلة معلقة، وهرعت سريعا لأرشيفي انقب فيه، فانطلقت كلمة "وجدتها" مكررة ثلاث مرات، إحداها سرا والأخرى جهرا والثالثة "جسرا" يربطني برسالة (دال) و"حديث المدينة" معا. زال عني هَمّ الأسئلة، وكتبت لصديقي: نشر لي الاستاذ عثمان ميرغني بصحيفته "التيار" يوم 27 أغسطس 2011 مقالا بعنوان: رسائل مفتوحة.... في زمن الرذيلة (محجبة) والفضيلة (سافرة). دعني أجلس للمقال مستعملا خاصية القطع واللصق وأزودك بثلاث فقرات منه دون أي تعديل.
دال: أتَذَكَّر ذاك المقال جيدا. عنوانه كان لافتا.
عصام: جاء في إحدى الفقرات:
وهل خافِِ على البعض ان الأجيال في وطننا لم (تضهب) لان العديد من الدروب تقاطعت أمامها في 30 يونيو 1989؟! ألم يكن واضحا، حينها، وجود دربين لا ثالث لهما.. درب الاعتدال ودرب التطرف؟ ألم يكن الأول هو مسار البحث عن السلام والوئام لاستمرار التعايش على أساس المواطنة، لِيُيَسِر بدون مزايدة، استمرار البلد واحدا موحدا متماسكا متطورا متكاملا مع شعوب العالم التي نشدت في أواخر 1989 الحرية والديمقراطية، فيما انعطف السودان وحده نحو الديكتاتورية؟ أليس الأمر غريبا ومثيرا للسخرية والشفقة في آن؟ وهل كان كل العالم على باطل وأهل الإنقاذ وحدهم على حق حينها؟ ألم يك واضحا وجليا ان درب التطرف، في اخف وصف له، سيفرز التوهان والهضربة بالجهاد وتمكين سياسة الإقصاء؟ ألم تُرْغَم أجيال لم تكن حتى في أرحام الأمهات في يونيو 1989، على السير في درب التطرف فاقدة الإرادة؟ ألم (يُساق) معها إلى ذات الوجهة الوطن، كل الوطن، وكل حي فيه.. بشرا وحيوانا ونباتا، وكل أصم فيه.. صخرا وترابا وطينا؟ وأخيرا لا بد من التساؤل دون مواربة: ألم يتم كل ذلك وأكثر من المسجد وفي المسجد وبالمسجد؟
وجاء في فقرة اخرى:
لنفترض ان أهل التطرف، تمشيا مع الأهزوجة التي ثبت ابتذالها: "هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه"، وعبادة وتقربا لله، عملوا واجتهدوا ونصروا الإسلام بإدخالهم إلى المساجد الأجيال التي صارت فيما بعد تائهة و(ضهبانة)، فهل يختلف معنا احد ان قلنا أيضا انهم أحاطوا تلك الأجيال والمساجد، عن قصد ومع سبق الإصرار والترصد، بمؤسسات سلطة وحكم وإدارة، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، أشاعت الفساد والكذب والنفاق وكراهية الأخر وتمكين الشر فتسللت بين كل ذلك الرذيلة محجبة، داخلة خارجة لا يميزها ولا يسألها أحد، ففرضت نفسها على المجتمع عنوة واقتدارا بالالتفاف على ما سيصبح مألوفا في زمن المسغبة.. وانزوت الفضيلة سافرة حائرة تنتظر عودة الوعي، في حسرة على ماض وصفه أهل التطرف بجهل لا يعادله جهل ب "زمن الجاهلية".. بئس القاموس الذي استقى منه صانعو المسغبة في كل ربوع البلاد، فهل تريد ان تعرف من هم صُناع الفقر؟ تلفت حولك ستجد ملتحِِ بالقرب منك، ليس مهما ان كان عنوان لحيته "أكل عيش" أو غير ذلك من متلازماتها، وابحث عن من نشر هذه الثقافة.. ثقافة الاستهبال بالدين وباسم الدين، وأشر إليه بأصبعك وقل له بالصوت العالي: أيا صانع الفقر!
فقرة ثالثة من المقال انتهت بالتالي:
المشروع الظلامي لم يبدأ مع أخذ كل السلطة في 30 يونيو 89، وإنما مع (خمج) قوانين سبتمبر.. واستمر في أجهزة الإعلام بنفس البرامج من نوع ساحات الفداء وغيرها التي غسلت الأدمغة، وداخل نفس المساجد _أمساجد تلك يا وطن أم أقبية أجهزة أمنية سيئة السمعة؟_ وبالأخص تلك التي شهدت أروقتها طبخ وإنضاج أسوأ المؤامرات والدسائس والجرائم التي ارتكبت في حق هذا الشعب الطيب.
بعد ان زودته بتلك الفقرات، اضفت في رسالة أخرى: تلك فقرات ثلاثة ارجو ان تسجل نفسها ضمن الصرخة التي اطلقها الاستاذ عثمان ميرغني، بأن أدركوا السودان.. قبل فوات الأوان.
تركت المساحة والزمن لصديقي (دال) وانتقلت أعالج مسائل أخرى، فلم أفلح. ظللت راكزا مركزا على جوالي في انتظار خاصية لفت الانتباه عند استلام رسالة. عندما لم يطق أحدنا الأخر، الصبر وأنا، ضغطت على علامة خدمة "الواتساب"، ولم تفارق عيني حساب صديقي واللون الاخضر المتقطع يفيدني بانه على الطرف الاخر يكتب، ويكتب، ويكتب. مضى زمن طويل وخيمت اسئلة إضافية من شاكلة ماذا يكتب؟ هذه المرة يبدو انه ليست لديه رسالة جاهزة كما السابقة، فماذا لديه؟ وهل لديه جديد يضيفه ام سيفكك القديم؟ هل سأخُط له ردا، ام ان رسالته ستنهي حوارنا؟ لم أجد أجوبة لتلك الاسئلة، فقررت الصبر والانتظار. انطلقت تنهيدة مني بعد ان التقطت أذني صوتا هادئا يفيد بان هنالك رسالة في ذات الحساب الذي كنت قد فتحته بعد ان عِيلَ صبري، فهل كَلَّ متنه من الطرق الخفيف على لوحة مفاتيح جواله؟
وصلتني رسالة صديقي (دال) التي كتب فيها: هل سمعت ان احد ائمة المساجد، عملا بقول ابن ابي طالب، قد نزل من منبره ممتطيا سيفه باحثا عن فقر في شكل رجل ليجز رأسه؟ لم يكن محتاجا إلاَّ ان ينتظر عند باب الخروج ليدحرج أكثر من رأس على الاسفلت.
هل تَذْكُر مسجد العمارات في النصف الثاني من التسعينيات عندما كان يخطب فيه عصام أحمد البشير؟ كنا قبل مفاصلة الترابي البشير، ننطلق اليه سائقين و"راقشين" وراجلين، الاعمى يحمل المكسر، نذهب زارفات ووحدانا لا لنصلي خلفه فحسب وإنما لنستمع إليه. وبفضل ألسنتنا المعجبة الناقلة وبعض اقلام الصحفيين، كان حديث عصام البشير يبقى لاسبوع بحاله حديثا في المدينة وللمدينة الى ان يستلمها حديث جديد في جمعة جديدة، واحدة تلو الاخرى. لم يكن عصام البشير حينها اماما في مسجد فقط، ولم يكن متحدثا لبقا فحسب، كان يجس نبضنا ويقيس درجة حرارتنا قبل ان يصعد المنبر فيوجه لسانا سليطا ضد الفساد السياسي والمالي والمحسوبية والانتهازية واللصوصية واللامبدأية. كان رافضا للاقصائية، داعيا للأخلاق الوفاقية، مناهضا التمكين والكنكشة وإفقار الطبقة الوسطى بقرارات الطرد من الوظيفة تحت دواعي "صالح عام" مفترى عليه، فكان يمثلنا ويعبر عنا ولسان حالنا. كان قوله سديدا يطفئ النار المشتعلة في دواخلنا. كنا ما بين الخطبتين نقولها ثلاث في سرنا: لهم يوم، لهم يوم، لهم يوم.. اللهم امنحنا الصبر حتى يجئ. وبالفعل جاء اليوم ولكن بما لا نشتهي، فها هو ذات الامام يغني في مسجد آل البشير بكافوري ويطرب اهل الانقاذ ويحرق حشانا. قضى غرضه بنا فنزل من المنبر واعتلى مقعد الوزارة وصمت عن نقد اخطبوط الفساد.
لا تَلُومَنَا على سذاجتنا المفرطة يا شقيق، فقد كنت انت حينها بعيد عنا. لم نغفل حقيقة ان عصام البشير مُنَظَّم في جماعة الاخوان المسلمين وكنا حينها نظن انهم على خلاف مبدأي مع الترابي، فاتضح لنا انه خلاف على السلطة ومخرجاتها وما تجره لهم من رغد العيش والسيطرة على افئدة وعقول العباد؛ على الاقل هذا ما اثبته لنا عصام. باع منزلا بملايين الدولارات لوزير لم يرع حقنا في مال الدولة والشعب فدعانا لأكل الكسرة الناشفة وأكل هو سحتا، واختزن مالا حراما ليشتري المنزل المليوني. ولولا محاولة الزوغان البائسة من السمسار، لكان الموضوع الذي دُفِنَ ليلا، قد تَرَكَ لنا "بَرَّه" شيئا آخرا خلافا لكراعه، ولكان للقول المأثور معنى يليق بالفعل الذي مد لسانه يغيظنا، وقبض كف يمناه يَحُك بها دائريا الكف الايسر بعد ان أفْرَدَه. هل تنتظر يا صاحبي ان يجيء رجل شريف ممتثل لابن أبي طالب فيقول "لو كان مثل ذاك الفِعل رجلا لأقمت عليه الحد، جلدا وقطعا وبترا من خلاف مع التعزيز والتغريب والرجم بالكلمات قبل الحجارة"؟ لقد جمع فِعل الوزيرين في جوفه كل الجرائم، فهو بين امام مسجد راعي المسلمين وبين أمين بيت مالهم. هكذا تكون دولة الشريعة غير المدغمسة وغيرها دولة قاطني كافوري الجدد ومن لف لفهم وباعهم واشترى منهم من ال غسان فأجازت له دولتهم التحلل ليمد لسانه لأمة المسلمين، بئس الفقه الذي ينتجه البشير ورهطه وتصمت عنه مساجد السودان. ولولا فطنة السمسار الذي لجأ للصحافة ناشرا الفضيحة لحماية نصيبه من صفقة حرام هو الوحيد الشريف بين أطرافها، لكان قد فاتنا مشهد تغطية عورة عقد بيع وشراء بين إمام مسجد يبث الظلام ويُطْلَق عليه مسخرة مسجد النور، ووزير مالية كان حتى وقت قريب يسلتف احتياجاته مثله مثل سائر الناس لولا انتمائه للإسلام السياسي الذي استوزره علينا فأصبح مليونيرا مثله مثل عصام البشير الذي اخذه ذات الاسلام السياسي مباشرة من مسجد العمارات للوزارة وقدم اليه مصاصة الفساد فلعقها باشتهاء وبشهوة مشهودة.
أبعد هذا نتحدث يا أخي عن ائمة المساجد من اهل الاسلام السياسي؟ هل تريد المزيد ام تنتظر هتاف الناس: الشعب يريد إغلاق المساجد؛ الشعب يريد إنزال السبابة؟
تركت بعض الزمن يمر، عسى ان تتواصل رسائله فلم أرِدْ قطع استرساله، غير انه توقف. لم يراودني احساس بانه ينتظر تعليقا مني، وفي نفس الوقت لم يكن لدي ما اضيفه قولا مني على قوله. استمر صمت الرسائل بيننا الى ان فاجأني مرة اخرى وكأنه قرأ أفكاري، فكتب صديقي (دال): ارجو ان تعيد نشر المقال او على الاقل تلك الفقرات الثلاثة في مقال جديد. كما ارجو ان تمدني برابط المقال لتعميمه على الاصدقاء في قائمتي.
عصام: شكرا يا حبيب على اهتمامك، والمسألة لا تحتاج لمقال جديد. يكفي نشر رسائلنا التي تبادلناها. لم تعد تهمني الفقرات الثلاث وانما رسالتك الاخيرة والسابقة التي دفعتني لأنقب قي ارشيفي. كم انت رائع وحاضر. مرفق لك الرابط المطلوب:
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.