هل كان من العسير على "كبار" صحافيي التيار السؤال عن التاريخ "الختمي"، أو تاريخ الاتحادي ما قبل توحده وما بعده، ومن نافلة القول سؤال التيار وصاحبه عن غرضه، بل من السذاجة، سؤال من أراد أن يدخل الساحة الإعلامية من بوابة "التقليد" لبرنامج "سين وجيم" وألف سؤال وألف إجابة، فوجد نفسه فجأة قائداً للرأي العام وموجهاً له، بل من صنَّاعه.. ولنترك الرأي العام وصناعه، ونأتي للتزوير ومحترفيه، فقد حشدت التيار "كبار صحافييها" معلنة عن "تحقيق" والكبار من الشمال إلى اليمين هم:علي الدالي، أحمد عمر خوجلي، علاء الدين محمود، خالد فتحي وعبد الباقي الظافر وعثمان ميرغني. "أول تحقيق صحفي يشترك في تحريره ستة من كبار صحفيي التيار"، والكبار هؤلاء لم يطلق الصفة عليهم القارىء بل أطلقتها الصحيفة، ولم تراع الصحيفة القارىء ولا احترامه، قالت له "هؤلاء" كبار، فإذا وجدتهم بعد إنتهاء الحلقات صغاراً في التحقيق والتقرير والعمود الصحفي والحوارات "ذنبك على جنبك"، والإعلان عن الكبار هؤلاء يتماثل مع ويتوازي مع تنويه إعلانات الأفلام "ممنوع اصطحاب الأطفال" خوفاً عليهم من مناظر شاردة وممثلين من الفئة التي "لا تختشي وما بتشوف عوجة فيلم التيار الجارف" وعنوان التحقيق –آسف التجريم كالآتي: "بيت الميرغني..هل حانت ساعة الغروب السياسي". وجاء في المبتدأ "حان الوقت للتجديف في مستقبل بيت الميرغني فالمتغيرات على الساحة السودانية توشك أن تكشف عن صفحة جديدة، يبرز فيها لاعبون جدد ويتنحى عن المشهد السياسي لاعبون قدامي". وبلغة كرة القدم والتحديق في المدرجات فإن المستقبل السياسي للبيت الميرغني يجب التحديق فيه حتى يتم النظر لكل "محدقة" التيار كلٍّ في مكانه حتى الوصول إلى المحدق السادس وبالتالي ينظر المحدق الأخير بعين المكاشفة وعدسات النظر "ستة على ستة" فيكشف له تحديقاً عن مستقبل البيت الميرغني الشريف. ويقول محدقة التيار بعيون زرقاء اليمامة الستة (بيت الميرغني..وبيت المهدي لعبا دوراً محورياً في تشكيل تاريخ السودان المعاصر، هذا الدور السياسي اعتمد في قوته على متلازمة الدين والسياسة". إذا كان الدور محورياً لبيتي الميرغني والمهدي، فالسؤال أيضاً بلغة كرة القدم، هل رأيتم بالعيون "الستة" ولكل من المحدقة "عينان"، "محورٌ" في فريقه يتم الاستغناء عنه، دعك من "البيتين الكريمين" ودورهم في الحفاظ على تماسك الشعب السوداني سياسياً ودينياً وأخلاقياً، غير أن التحديق في الفراغ يورد صاحبه موارد الوقوف عند الغروب في انتظار من ينظر حتى يُعاد له صياغة تاريخ السودان المعاصر. أما متلازمة "الدين والسياسة" فهي جديدة علىَّ لم أقرأها من قبل وتحتاج الاستعانة بخبير في التحليل الماركسي، يقول الدكتور عبدالمجيد الصغير في كتابه (المعرفة والسلطة في التجربة الإسلامية"، أما ثاني البيتين في الخطاب الأشعري والتي تركت بصماتها على موقف الأشاعرة السياسي فنقدم لها بالقول "إن المفكر الأشعري إذا كان يجد نفسه ممزقاً بين نموذجه السياسي الذي لم يعد واجباً، بل أصبح مجرد إمكان غائب، وبين الواقع السياسي الطارىء الذي صار واجباً، رغم ما يكنّه من عدم الرضى، لكنه مضطرٌ للتعامل معه خوفاً من غول الفتنة الذي يحصد الغث والسمين واليابس والأخضر)، فلنترك غثَّ التيار وسمين المحدقة ونأتي إلى التيار (ربما لو لم يشرق في السودان نجم الإمام محمد أحمد المهدي لما توغل بيت الميرغني في السياسة لكن ثنائية التنافس بين البيتين هو الذي عمق تدخل بيت الميرغني في السياسة)، والسؤال:هل إذا لم يبزغ أو يشرق نجم الإمام المهدي، وأقام دولته، هل كانت صحيفة التيار ستسأل مثل هذا السؤال؟!. إن التاريخ لا يكتب ب"ربما" ولعل، وعسى، ولا ترسم معالمه بظهور هذا أو ذاك، إنَّما هي سيرورة تحكمها سياقات أخرى. وهذه الثنائية التي حكمت تاريخ أسرتي الميرغني والمهدي في نظر البعض هي ثنائية اجتهاد كل طرفٍ منهما سياسياً ودينياً في إصلاح العباد والبلاد، والنظر إليها بهذا المنظار الأعوج والعدسات الملونة يجعل صاحبها يطرح مثل هذا السؤال الذي لا معنى له، وليت السؤال كان حول ماذا لو استمرت الحياة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، هل سيتبوأ صاحب التيار منصب رئيس تحرير أم مهندسٍ في مصلحة حكومية يسعى لتسوية معاشه الإختياري؟ّ. والأسئلة "الاعتباطية" في سياق الأسئلة التي لا جدوى ولا طائل منها. يقول التيار على لسان "الستة (بيت الميرغني انتبه للدور السياسي الذي سطع فيه نجم المهدي الذي كان تحت التأسيس في بداياته الثورية) وبعيداً عن التحليل "غير المكرب" فإن الانتباه تاريخياً من آل البيت الميرغني الكرام حمل الناس على رأي واحد، ولم يكن تنافساً أو انتباهة في زمن غفلة، وهو ما تكرَّر في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم، فهل خروج مولانا السيد محمد عثمان الميرغني لقيادة التجمع الوطني الديموقراطي منافساً للامام الصادق المهدي، ومنتبها لتأسيس جناحه الثوري.. كان الأمر فرضاً وقهراً مع اختلاف المواقع ولو نظر محدقة التيار الى التاريخ القريب لاستبان لهم جلياً التاريخ القديم، ولما اقحموا "الانتباهة" قسراً حتى تصبح جسراً لقراءة التاريخ.. والسؤال الصريح المكشوف الذي يطرح بالقياس إلى مجمل سؤال "الغروب" المطروح، متى شرقت الأيدلوجيات المتعاقبة على أرض السودان وعلى غيره إذا كان الابتسار ديدنها من اليمين إلى اليسار، ومتى يفهم البعض أن مثل هذه القراءات تأتي خطورتها في الارتداد الذي يعانيه المجتمع، وهو يُكسر ويُحطم لأسباب ذاتية شخصية لمن تصدى إلى مهمة تنوير الرأي العام، وهو ليس لها أهلٌ. أهلاً وسهلاً: يقول "الستة الكبار" بعد التفريق من جانبي بين التحقيق والتجريم، والتحقيق والرأي المسبق الذي يفضحه العنوان جهاراً نهاراً تياراً، (تسلَّم مولانا علي الميرغني الزعامة الدينية والسياسية من والده محمد عثمان الأقرب في ظرف عجيب وسرعان ما سطع نجمه واحداً من ألمع اللاعبين السياسيين في السودان). وكانت التيار قد نوهت إلى الآتي (ولكن للتاريخ ولتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لم يبلغ العداء بين البيتين بيت الميرغني والمهدي أن جاء مولانا علي الميرغني في جيش كتشنر الغازي كما درج البعض على الترويج لذلك). وشُكر التيار واجب على كل ختمي وختمية، إذ أن "المحدقة" قد حدقوا في التاريخ، وصححوا للناس معلوماتهم و"المفاهيم الخاطئة" ولا أدري لماذا تكبدوا المشاق وبدلاً من معلومة مغلوطة ومدسوسة ومزورة تحولت إلى مفاهيم خاطئة. والشكر من جديد لكل اتحادي واتحادية "أصل" لما تكبدته "التيار" في البحث والتمحيص والتصحيح لمعلومة ظلت جموع الختمية والاتحاديين تحملها فغيض لها الزمان "محدقة التيار" في مستقبل البيت الميرغني لتصحيحها. ولكن قبل وصول الامتنان إلى كتبة التحقيق، جاء في السطور التالية (استقطب بيت الميرغني -سياسياً بعض النخب السودانية المستنيرة في المرحلة التالية لتبلور فكره السياسي على أيدي هذه النخب فيبدأ مرحلته الثالثة بتبني حزب سياسي). وقبل أن نعرف ماذا فعل الحسيب النسيب مولانا السيد علي الميرغني في مرحلتيه الأولى والثانية، قفز بنا التحقيق "التجريمي" إلى مرحلته الثالثة، وهي مرحلة على حسب قول "المحدقة" في مستقبل البيت الميرغني الشريف هي مرحلة تبلور فكر مولانا السيد علي الميرغني السياسي ومرحلة التبلور بلا شك مهمة جداً إذ أن مولانا الميرغني بثقافته العالية وفكره المستنير ومعرفته التي شهد بها الصغير قبل الكبير، والسياسي المستنير قبل غيره، هذه المعرفة العالية تحتاج لقراءة مستقبل السودان قبل أن تتبلور في مرحلتها الثالثة على زعم التحقيق على أيدي متعلمي مؤتمر الخريجين أو غيرهم، وتسعى لاستقطابهم حتى تبدأ مرحلتها الثالثة. وبعيداً عن "التخليل" المحشو ب"الفوارغ"، يقول الصحفي الراحل يحى محمد عبدالقادر في كتابه على هامش الأحداث في السودان (عرفت السيد علي الميرغني في عام 1936م، عندما رافقت عمي الشيخ عبدالرحيم محمد إلى حلة خوجلي حيث زاره وطلب إليه أن يتوسط في مشكلة بينه وبين شخصيات في قرية ود حامد من أعمال شندي وقد استقبلنا الزعيم الجليل باسم الثغر وما ان اتسع الحديث ودار حول مركز شندي حتى انجاب التحفظ، ورأيت نفسي أمام رجل واسع الاطلاع مُلماً بكل الشؤون العامة وشؤون المنطقة التي أقبل عمي منها، وأمام رجلٍ يحب النكتة الطريفة والنادرة المستملحة ويعطيك صورة للدنيا غير مملوءة بالقتام والآلام، يساير الناس ويجاملهم، ويتبسط معهم ويخاطب كل جماعة باللهجة الخاصة بها). والسؤال إلى محدقة التيار من سعى إلى الآخر؟!. نواصل... [email protected]