السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تفرق بين الحق والباطل(11)وهم تقديس الأشخاص: الأشراف والسادة..
نشر في الراكوبة يوم 30 - 12 - 2014

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعث بالدين الحق لينشر العدل و المساواة بين الناس جميعا أبيضهم وأسودهم، إعرابيهم وأعجمهم ليخرجوا من الظلمات إلى النور. فليس من المعقول أن يجعل من آل بيته طبقة جديدة تتعالى على الناس بدلا من قريش بالحسيب النسيب والنسب الشريف.
من هم آل البيت و آل محمد..
يقول الله تعالى: ((إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)) [آل عمران: 33]. فالله تعالى إختار آل إبراهيم وآل عمران وفضلهم على العالمين. والملاحظ ان الله تعالى لم يذكر إصطفاء آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لم يكن لديهم إصطفاء بل تطهير. ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) [الأحزاب: 33]. والآيات في سورة الأحزاب تتحدث عن نساء النبي، أمهات المؤمنين، وكل من يعيش معه من أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم كإبنته السيدة فاطمة وزوجها الإمام علي وإبنيهما الحسن والحسين. والغريب إن الأحاديث الواردة عند السنة والشيعة تخصص هذه الآية في الأخيرين فقط.
فقد روت أم المؤمنين السيدة أم سلمة: "أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- كان في بيتها فأتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها خزيرة (حساء من الدسم والدقيق)، فدخلت بها عليه، فقال لها: (ادعي لي زوجك وابنيك). فجاء علي، والحسن، والحسين فدخلوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامة له (سرير)، وكان تحته كساء خيبري. وبينما أنا في الحجرة أصلي أنزل الله تعالى هذه الآية: (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)). فأخذ رسول الله فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء، ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، وحاميتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). فأدخلت رأسي وقلت: وأنا معكم يا رسول الله. قال: (إنك إلى خير، إنك إلى خير).
وبحسب تقديري فإن أهل بيته هم كل من كان يعيش معه بما فيهم نساء النبي، لأن الأيات من سورة الأحزاب كانت تتحدث عن نساء النبي أولا. أما، إن كان الحديث صحيحا، فإن خاصته هم إبنته وزوجها وإبنيهما. ولكن السؤوال: هل كل من ينحدر من ذريتهم يعتبر من آل البيت؟ أو هل كل من لا ينتسب نسلا لذريته لن يكون من آله؟.
فكما ذكرنا فإن الله إصطفى آل إبراهيم، وقد سأل إبراهيم عليه الصلاة والسلام الله عز وجل: "هل سيكون هذا الإصطفاء لذرية منه؟". فأجاب الله تعالى بنعم ولكن ليسوا كلهم. فآله هذه لا تعني جميعهم مهما كان. فقد إستثنى الله منهم الظالمون: ((وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)) [البقرة: 124]. ويؤكد الله تعالى على ذلك في آبة أخرى: ((أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما، فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا)) [النساء: 54].
فهذا الإصطفاء، وال آل ليس بالضروري أن تشمل كل من جاء من نسلهم الطاهر، فيتعالى بذلك على الناس ويسلك سبل الظلم والبغي والإثم والعدوان، مستغلا قصة النسب لينال جاها في الدنيا وحقوقا ليست من حقه.
ثم بالمقابل فإنه يمكن أن يدخل أي إنسان عادي ويكون من آل البيت إذا إتبع طريق الحق والعدل ولم يلبسه بباطل وظلم. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سلمان الفارسي: عندما قال المهاجرون: منا سلمان، وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا أهل البيت). وذلك كما ذكره الحاكم في المستدرك والطبراني على صحة هذا الحديث بحسب ما أورده البخاري وصادقوا عليه. ولكن أتى المحدثون الأخيرين وقالوا عنه متروك وضعيف!. وهذا للإختلاف والتمييز والمفاضلة بين من كان يقف مع الإمام علي وخصومه.
ويفسر القليل جدا من الفقهاء بأن آل محمد هم أمة محمد الذين يتبعونه حقا، لا عترته. فنحن في الصلاة حين نسلم على النبي وعلى عباد الله الصالحين، نريد ان نكون منهم. وحين نصلي على محمد وعلى آل محمد، نعني بها جميع عباد الله الصالحين والذين نأمل أن نكون منهم، فندخل ونكون جميعا من آل محمد.
والنسب والتفضيل الدنيوي لا يعني شيئا وليس مهما أصلا لأن آل البيت وآل محمد في الدار الآخرة، ((وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا))، وهذه الوجاهة الدنيوية وما يتحصل عليها المرء فانية لا محالة. و ((من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب)) [الشورى: 20]. فمن أراد أن يكون من آل البيت فعلا فليسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا).
لماذا آل البيت..
كان سادات قريش يعايرون النبي بأنه ليس له أولاد فأنزل عليه سورة الكوثر والتي تعني إن المغني سبحانه سيعطيه الكثير الوفير –أكثر من المال والبنون زينة الحياة الدنيا-، والآخرة خير وأبقى، والذي لا تفهمه قريش الجاهلية. فبعدما ساد الإسلام رجعوا ليستغلوا قصة الحسب والنسب وآل البيت وإنتمائهم لقريش.
وإذ أننا نعظم رسول الله وآل بيته ونوقرهم لا يجب أن نستند في ذلك على النسب. فبرغم إن أبالهب كان عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان هو وزوجته المكنية بأم جميل، وهي من سادات قريش وأخت أبوسفيان بن حرب، يعادون النبي ويؤذونه أذى شديدا، إلا أنه –أي أبولهب- لم ينفعه هذا القرب ولم يشفع له عند الله تعالى. بل بالعكس، فقد خلد الله تعالى ذكره في القرآن ليكون عظة لقريش بأن دين الله لايعترف بالأنساب والألقاب أبدا، وهو عم النبي. وعبرة أيضا لمن يأتي بعد ذلك ليعظم إنسانا ويشرفه بمجرد نسبه إلى رجل صالح.
و يستشهد البعض بالآية: ((قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)) [الشورى: 23]، مفسرا ذلك بوجوب التودد لآل البيت. ولكن هذه القربى لا تعني آل بيته أو أقربائه صلى الله عليه وآله وسلم كما يقول معظم المفسرين. فقد وردت كلمة قربى تقريبا ستة عشر مرة في القرآن. والقربى تعني في أغلبها الأقارب. ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى))، ((فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل))، ((واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل)).
وهكذا من سياق الآيات نعرف من هم القربى. فلما كان كل الأنبياء السابقين يقول لهم الله تعالى قولوا: لا أسألكم عليه أجرا، إن أجري إلا على الله. ولكن النبي قال له قل: ((قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى))، لأن الإصلاح المجتمعي يبدأ بإلتزام كل فرد بإصلاح الدائرة المجتمعية المقريبة له. وهذا الإصلاح لا يتأتى إلا بالإحسان والمودة.
ونحن لا ننكر حبنا ومودتنا لآل البيت الأصليين الأوائل ولكن ليس لكل من يدعي إنتماء نسبه ويريد بهذا التبجيل والقدسية الكاذبة لينال الجاه والقدسية والتشريف زورا وبهتانا.
وعجبا قد رأينا الآن من يصنع من إنتمائه لنسل النبي صلوات الله وسلامه عليه هوية ويقول إنه من الأشراف. فليس هذا من دين الله، لأن السيد الشريف الذي يقترف المنكر ويظلم الناس، مثله مثل أبولهب. فلا محاباة ولا فخار في دين الله ولا عند رسول الله لأنه قال عليه أفضل الصلاة والسلام: (إني لا أغني عنكم من الله شيئا)، وأقسم في حياته: (لو سرقت فاطمة بنت محمد..). فهو يقر بأنها ليست معصومة وهي إبنته مباشرة، فكيف لمن هب ودب يقول إنه شريف ليوعز إلى الناس بتوقيره وتبجيله لدرجة التقديس!.
فما ناله أهل البيت من منزلة رفيعة في صدر الإسلام هم كونهم أكثر من ساند النبي ووقفوا معه، ولحق بهم الأذى الكثير كمثال حصارهم في شعب أبي طالب في مكة. وبعدما هاجر، عمد المنافقين والذين في قلوبهم مرض معايرتهم وتقليل مكانتهم الإجتماعية نصبا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ومن بعد وفاته حاربوهم واتضطهدوهم بإسم قريش غيرة وحسدا وإنتقاما. وقتل منهم الكثير لأن رسول الله أسقط نظامهم وسحب مكانتهم الدينية والإجتماعية والسياسية في كل جزيرة العرب.
فلم يرضخ آل البيت الأوائل وكانوا ثوارا ضد الجاهلية ومجاهدين قدموا أنفسهم شهداء وأموالهم صدقة وأهليهم ضحايا في سبيل الله، ووقفوا بصلابة ضد الظلم والطغيان وليس لحسبهم الشريف. فهلا نظرنا لسيرة سيدنا ومولانا الإمام الحسين جليا وفهمنا لماذا هو سيد الشهداء، وهو يرى آل البيت، اخوانه وأولاده وأبناء إخوته، كلهم أمامه يقتلون حيث لم يبقى إلا إبنه الإمام علي زين العابدين من تلك المجزرة الدموية.
لقد أوصى النبي بأهل بيته خيرا بثاقب بصره لأنه يعلم بأن الموتورين من سادات قريش سيقومون بالإنتقام من الإسلام في أهل بيته لأنه حطم هويتهم الدينية وجاهليتهم القبلية والطبقية والدينية. وأوصى بالأنصار خيرا أيضا بذات السبب لأنهم من أووه ونصروه في حربه ضد الجاهلية.
إن أغلب من يقولون إنهم من آل البيت اليوم، والذين حوروها إلى السادة والأشراف، يريدون التباهي والفخار والتميز عن عامة الناس والجاه في الدنيا، وهذا هو عين الجاهلية لتكون لهم علامة ومكانة مميزة في المجتمع. فتجد الحكام الظالمين والطغاة يتزلفون إليهم ليأخذوا شرعية شرفية بمولاة السادة والأشراف. فيغدقون عليهم العطايا والمنن من دون سائر الناس، والناس تتحلق من حولهم مغيبي الوعي وراضين بالظلم ولا يدرون لماذا حالتهم تعيسة هكذا، ويقولون الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، مدد يا رسول الله.
ظاهرة إجتماعية ليس إلا..
مجتمع المسلمين صنع السادة والأشراف كظاهرة لتقديس الأفراد الذين ينتمون بالنسب للنبي وإعتبرهم طبقة عالية متميزة عن غيرهم من الناس، وإنتشرت في جميع البلدان. وقد تطلق على الفرد من هذه الطبقة ألقاب مختلفة. مثلا، في مصر والمغرب لقب "الشريف"، وفي السودان والعراق واليمن "السيد"، وفي بعض أنحاء الهند وتركيا "المير"، وفي إيران وباكستان وأفغانستان "الملا" وجمعهم "ملالي".
والتمييز الطبقي في الإسلام ظهر بقوة منذ عهد بني أمية تحت إسم "قريش"، أما قبل ذلك فكان المسلمون طبقة واحدة لا تفريق بينهم كما يأمر الإسلام الحق، والذي ينادي بعدم التفريق بين الناس بنسب وحسب ولون وعرق وطبقة.
ولقد ظلت سياسة بني أمية ترفع من قريش لتطغى على آل البيت، وهم يستفيدون أيضا من نسب آل البيت لقريش. إلى أن جاء العهد العباسي وانحصر التمييز بين فئتين هم: العباسيون والطالبيون. ولما دالت سيادة الدولة العباسية أصبح التمييز مقصورا على الطالبيين وحدهم. وقد تقلصت إلى ان صارت تشمل العلويين فقط من أبناء فاطمة.
والملاحظ ان كل فئة تستلم أو تنشق، تريد أن تلحق نفسها بالنسب الشريف للإستئثار أو لمقارعة السلطة.
لذلك، فنظرية حكم الإسلام السياسي لا تختلف إن كانت من سنة أو شيعة. فالسنة بإسم الصحابة والخلافة. أما الشيعة فبإسم آل البيت. وهب اننا حكمنا الإمام علي وذريته منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، هل كان حالنا سيكون مختلفا؟. لا أظن، فسيمثل من في السلطة خط الطغيان، والآخرون خط التصحيح والثورة، إلا أن يكون هناك مبدأ متفق للتداول السلمي للسلطة بين كل الناس.
و لقد أثبت التاريخ فشلهم وبأن أغلب المدعين بنسبهم آل البيت يريدون السلطة والحكم بهذا الإسم. فهاهي كانت الدولة العباسية –من نسل أعمام النبي- والتي لم يعترف بها العلويون. وقد قامت الدولة الفاطمية من نسل السيدة فاطمة والإمام علي. ولكن ماذا فعل حكام تلك الدول. كانوا كغيرهم من الحكام الظالمين المستبدين الطغاة. والآن لدينا مثال حي في إيران كتمثيل للإسلام السياسي الشيعي، وفي السودان للسني.
لقد جاء الكثير بتشريعات خاصة لتمييزهم كسادة وأشراف. فمثلا في الغنائم ان يعطوا الخمس منها. مع ان الخمس كان في ذاك الوقت للرسول لكي يقسمه على ما نسي من الفقراء والمساكين وليس له خصيصا ليغتني منه أو يكنزه. ((وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)).
ثم أصبح السادة والأشراف يميزون انفسهم باللباس حيث كانت هناك العمامة الخضراء أهمها. ثم بوضع علامة خضراء في عمامة الرجال وإزر النساء.
وقيل أول من لبسها هو الإمام العلوي علي الرضا الذي عينه السلطان العباسي المأمون وليا له. وعندما توفي رجع المأمون للسوداء. لذلك أصبح اللون الأسود والأخضر يميزهم. وفي الحقيقة إنهم لم يتميزوا بهذين اللونين فقط، فقد إتخذ أشراف اليمن والحجاز اللون الأبيض. وقد رفض القليل لبس أي لون يميزهم.
وهذا التمييز باللباس يستخدم للإحترام المسبق و الإستجداء المقنع. فما يكاد احدهم يلبس هذا اللباس ولو كان غشاش ويبتز أموال الناس بالحيل ويأكلها بالباطل، إلا أنه يظل في نظرهم من آل البيت، فمهما فعل يجب إحترامه وتلبية طلباته وفي خدمته الجنة وفي تنفيذ أوامره تنفيذ أوامر الله تعالى وكأنه الخضر، ذاك الرجل الصالح الذي آته الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما، وهو أمام الله وفي قرارة نفسه هو بشر ولكنه من اكبر الدجالين.
دعامات واهية...
من أكبر ما يستند به مدعي نسبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنيل المكانة العالية بين الناس دعامتين:
- هما الأحاديث الشريفة وتوصيته بآل بيته خيرا. وأن آل بيته المقصود بهم الأوائل الذين آمنوا به من أهله، وليس مطلقا. فقد فندنا هذا الزعم وأنهم يستحقون هذه المكانة فعلا بما قدموا أنفسهم شهداء لثوابت وقيم مجتمعية كبرى، وهذا ما سنتعرض له لاحقا في مقطفات من مواقف للإمام علي وإبنه الحسين عليهما السلام. وقد يكون شخص عادي من آل محمد إذا كان مسلما متبعا لما جاء به الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. وآل البيت لا تعني الأشراف والسادة وكل من ألصق إسمه بالطهر والعفاف. وليست بالضرورة تعني كل من ينمتي إليه بالنسب نسلا وهم يرتكبون الأثام والفواحش والذنوب ويسرقون وينهبون ويقتلون ويريدون الوجاهة الدنيوية بإسم آل البيت.
- الدعامة الثانية هي الأحلام. فمن العقائد الرائجة انه كل من رأى النبي عليه أفضل الصلاة والسلام في منامه كأنه رآه حقا، فالشيطان لا يتمثل به. فقد أدى ذلك لظهور الكثير من الأساطير وتمرير الكثير من التقاليد غير الصالحة في المجتمع. وكيف نتأكد من هذه الرؤية حقيقية لو فرضنا أصلا بأن رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم صحيحة للشخص في منامه. ألا يمكن للشيطان أن يوهم صاحب أي حلم بأنه رأى الرسول وقد قال له كذا وكذا وكذا، كما سمعنا بروايات من أضغاث أحلام الكثير تشجع على الظلم والطغيان بإسم النبي.
إن أغلب الأحلام قد رويت في الحجاز بسبب حكم الأشراف الطويل لتلك المنطقة. فقد كانوا كغيرهم من الحكام الذين يظلمون الناس ويعتدون عليهم وينهبونهم بإسم النسب الشريف والناس يتذمرون عليهم. ففي كل مرة يحدث تذمر يخرج فلان ويقول إنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤيد ما يفعله هؤلاء الظلمة المتجبرون على الناس!، بل وإنه غضبان لأنهم لا يبرونهم!.
وقد روى ابن حجر الهيتمي الكثير من هذه الأحلام ككتابه "الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة" ليبرهن على كرامات الأشراف وعلى وجوب رعايتهم والتجاوز عن سيئاتهم بحكم الشرع. فلهذا رأى الناس أشراف وسادات من طراز فريد، يفوقون هامان وفرعون وقارون في الكبر والمكر والطغيان، والناس تخشع لهم طواعية ولا تنبس ببنت شفه أمامهم، وتصلي على رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، وهم في حضرتهم، سيدي فلان وسيدي علان.
وبالمقابل نرى المجتمع يظلم المشردين واللقطاء وينعتهم بأولاد الحرام مع إنهم لم يرتكبوا جرما بأنفسهم لينعتوا بذلك، ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)). وهؤلاء، أولاد الذين، ينعتهم المجتمع بالسادة والأشراف وهم يرتكبون الجرائم ويأكلون حقوق غيرهم ويخدعون المستضعفين لخدمتهم بتجميع الاموال لهم ليعيشوا سعداء في هذه الحياة الدنيا وملوكا هم وذرياتهم. ومن ثم يكونون طبقة من الأغنياء تترفع على الناس، توالي الحكام الظالمين ولا تؤيد التغيير الذي قد يأتي بالعدالة الإجتماعية والوعي المجتمعي الذي سيساويهم.
ومن تزييفهم أيضا ظهر الظلم القبلي؛ بأن تلك القبيلة ينحدر من نسلها الأشراف. فقد نسى الناس سيرة آل البيت الأصليين الذين عانوا من الظلم والإضطهاد والحرمان، وكانوا مع المساكين وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأرواحهم فداءا في تثبيت مبادئ الإسلام من عدل ومساواة وكرامة إنسانية ليتمتع بها الجميع.
إن العالم يسير بالفطرة نحو الإسلام الحق. فكل البلدان المتقدمة لا تفريق فيها بين الناس بالحسب والنسب والقبيلة، فالناس سواسية كأسنان المشط، والمعيار للمساواة بينهم هو الكرامة الإنسانية، وحقوق المواطنة للعدالة الإجتماعية، وفي العمل المؤهلات والكفاءة العملية. فلا نسب ينفع ولو كان احدهم ليس له أصل أو حتى مقطوع من شجرة.
إذا حاولت أن تكون كآل البيت عملا ومن آل محمد حقا ستعرف كيف تفرق بين الحق والباطل.
* الحلقة: كيف تفرق بين الحق والباطل (12) محك معركة الجمل..
الجمعة إن شاء الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.