قبيل إنتخابات عام 2010بقليل سرت حركة دؤوبة في ولاية الجزيرة لإستخراج الأوراق الثبوتية وتصوير المستندات القديمة عندما أعلنت الحكومة أنها بصدد تسوية قضية الملاّك بدفع تعويضات مجزية لهم . في ذلك الحين إرتفعت حالة التفاؤل لدى الكثيرين وبنوا قصورا من الأحلام والأوهام وبدأو يستعدون للخروج من حالة الفقر إلى" الدنيا أم نعيم" لكن فئة ممن هم "تربية شيوعيين"شككوا في هذا الأمر وردّوه إلى الحملة الإنتخابية وقد صدق حدسهم! الآن يبدو أننا نعيش حالة إعادة لحلقات ذلك المسلسل مع اقتراب موعد الإنتخابات، فقد وجهت الحكومة الكبيرة حكومتها الصغيرة في ولاية الجزيرة باسترداد كافة أصول ومباني المشروع التي تمت خصخصتها بواسطة وزارة المالية فورا. وتبدو اللهجة الحاسمة في تعبير"فورا" دلالة على أن ما حدث في السابق أمر جلل. وهو في تقديري كذلك فقدتم تدمير ممنهج للمشروع ولإنسان الجزيرة نفسه والنتيجة هي ما حدث ومايحدث الآن. وللحقيقة والتاريخ فإنّ قضية الملاّك قديمة، فمنذ افتتاح المشروع بمساحة تقدر ب2,2مليون فدان عام 1925 بعد اكتمال إنشاء خزان سنار وحفر الترع والقنوات الفرعية استأجرت الحكومة البريطانية آنذاك الأراضي من ملاكها على أن تدفع لهم مقابل الأرض وكان المزارعون يحصلون على أموال صارت بمرور الوقت ضئيلة جدا لا تكفي حتى لتكلفة مشوار الذهاب إليها. ولرسم صورة مقطعية للأحوال دعونا نستمع – لمقطع من تحقيق حول هذا الموضوع تم نشره قبل سنوات- حيث يقول يوسف مصطفى حمدان أحد الملاك أن لديه حوالي أربعين فدانًا ولا يملك اليوم سوى الشهادات والكروت التي ورثها أبًا عن جد وليس لديه ما يزرع به بل ويحتاج إلى ما يأكله ،وهذا هو حال أغلب المزارعين. إذن فهي سياسة الإقطاع التي كنا نشاهدها في الدراما المصرية والتي تمثلت في صراع الفلاحين والباشوات ،فالحكومة التي وعدت المزارعين كثيرا لم تف بوعودها مرة واحدة، بل أن أصول المشروع التي تتحدث عن استردادها أصبحت جميعها أثرا بعد عين واختفت في ظروف"ليست" غامضة! وقبل شهر أو أكثرانطلقت حملة إعلامية مسعورة قادها إعلامي شهور عبر التلفزيون القومي وهدفت هذه الحملة لترسيخ حقائق مشوهة ترسّخ كل ما ظل يقال عن كسل المزارعين وعدم جديتهم وعن إنهم هم السبب غي الدمار الذي حل بالمشروع ،لكن واقع الحال أبطل مفعول هذه الحملة فالحقائق المعاشة لا تطمسها الشاشة الغشّاشة! إن اثارة موضوع وقضايا مشروع الجزيرة في هذه الإثناء لن يخرج عن إطار "الدعاية الإنتخابية" والتي تنتهي بعد إغلاق صناديق الإقتراع مباشرة وإنسان الجزيرة لن يلدغ من "جحر" الإنتخابات مرتين . ولذلك فلابد من التعامل مع مثل هذه الأخبار بجدية وحذر، وإذا كانت الحكومة جادة في هذا الموضوع فسوف ينجز وإذا كان الأمر غير ذلك - وهو ما أرى- فسوف يشرب مزارعو الجزيرة من نفس الكأس التي شربوا منها بخصوص تعويضات الملاّك وما أكثر "كاسات" المرارة التي شربوا منها ولا زالو يشربون! [email protected]