المسافة التي تفصل ما بين ما كان يسمى بقصر الشعب التاريخي القديم التي إعتلته سارية علم الإستقلال والعلم الحالي وبين القصر الجمهوري الجديد الذي دشنه رئيس الجمهورية بالأمس هي مسافة بمقياس الخطوات التي مشاها الرجل بينهما قصيرة جداً ..ولكنها بمقدار السنوات التي تراجع فيها السودان ما بين أمجاد ذلك القصر الذي سقط فيه رأس غردون في مخلاية الثورة المهدية وهذا البناء الذي سقط فيه السودان كله في جيوب عصابة الإنقاذ .. فإنها تعتبر سنوات ضوئية طويلة من النكوص من مدارج العز إنحداراً الى درك الذل ! الرئيس التركي رجب طيب أوردوغان رغم ما حققه لبلاده من إنجازات ضخمة في سنوات قليلة لم يسلم من النقد حينما دشن عهده الجديد بعد أن تحول منذ أشهر قليلة من رئيس وزراء الى رئيس جمهورية بالدخول الى قصر رئاسي منيف أصطف حرسه في ملابس تاريخية تحكي عن أمجاد الإمبراطوية العثمانية وذلك حينما إستقبل أمامه الرئيس الفلسطيني أبو مازن كأول زائر في ذلك البناء الأسطوري .. فقد ثارت نقمة الناس في تركيا على رئيسهم ليس بسبب التكلفة العالية التي أنفقها في بناء قصره فحسب ،بل تجاوز الأمر ذلك الحد الى الطرق على ما أسموه عقدة الرجل التي يسعى من خلال دغدغة عاطفة الناس الى مجد تركيا الغابر بان يجعل نفسه متقدماً في خلود أثر البصمات على كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة التي قامت على أنقاض دولة الخلافة الآفلة ! ياترى وبغض النظر إن كان القصر الجديد في عهد الإنقاذ هدية من الصين أو من حر مال المواطن المسكين .. فهل كان الرئيس البشير الذي دشنه ربطاً مع ذكرى تحرير الخرطوم و حشد كل زماري الحي لحفل الأمس تحت سارية قصره العالي يسعى الى إعلاء عقدته هو الآخر على سارية العلم الذي رفعه بالأمس فوق عظمة الذين خلدوا في ذاكرة الوطن بالأبيض و الأسود ومن غير صور الألوان الزاهية التي سبحت في بحر الأضواء القريب من النيل الأزرق وقد دلقها البشير في ساحة قصره الجديد ! أوعله ربما يفكر في أن يصبح زعيماً خالداً يتذكره الناس بعد أن يذهب وهم يمرون بالقرب من حائط القصر وينسوا ساعتها أنه أول رئيس سوداني مطارد من العدالة .. وأن عهده قد مضى تحفه اللعنات .. بدلا ً عن صالح الدعوات . [email protected]