أتذكر جيداً، أن نائب رئيس المؤتمر الوطني البروفسور إبراهيم غندور باهى بأن حزبه لم - ولن - يقدم مرشحاً أمياً في الانتخابات المقبلة. وفاخر بأن الحزب الحاكم لن يدفع – مطلقاً - إلى البرلمان ب"بصامين"، لا يجيدون فك الخط، أو يستعيضون ب"بصمة الأصبع" بدلاً من التوقيع ومهر الأسماء. نعم، فقد قال "غندور" ذلك، في المؤتمر الصحفي الذي خصصه للإعلان عن قوائم مرشحي حزبه، وزاد عليه، بأن أرسل إجابة مفصلة على مقاس الزميل أسامة عبد الماجد الوسيع، مفادها أن الخبر الذي نشرته (آخر لحظة) ممهوراً باسم "عبد الماجد"، عن ترشيح الحزب الحاكم لنواب أميين، ليس صحيحاً. بل أن "غندور" شدد – يومها - على أن أي حديث يُقلل من إمكانيات مرشحي حزبه، ليس سوى تزيُّد، فيه انتقاص متعمّد لقدراتهم. قبل أن يجزم رجل المؤتمر الوطني بأنه ليس لديهم مرشح تنطبق عليه تهمة الأمية مطلقاً..! يومذاك صدّقنا – كلنا – حديث "غندور"، غير أن "أسامة" لم يفعل. ويبدو أن ناشر الخبر، قد كسب الرهان، وخسره غندور، فقد أبطلت محكمة الطعون الإدارية ببورتسودان، إجراءات ترشيح مرشح المؤتمر الوطني في الدائرة (9) بورتسودان الوسطى "العمدة طاهر عمر شقواب"، بناءً على الطعن الذي تقدم به المرشح المستقل محمد نور همدوي، بحجة أن مرشح المؤتمر الوطني أمي لا يجيد القراءة والكتابة، وهو ما أكده الطاعن أمام المحكمة. مهلاً، فالعمدة "شقواب" ليس وحده الذي أبعدته محكمة الطعون الإدراية بحجة "الأمية"، فهناك أكثر من طعن على منضدة المحكمة تنتظر البت فيها لذات الأسباب. والثابت، أن مرشح المؤتمر الوطني "عمر قرورة" الذي لا يجيد الكتابة ولا القراءة، أفلت من الإبعاد بواسطة المحكمة، بعدما أفلحت "الجودية" التي قادها أهل المنطقة لسحب الطعن المقدم ضده من أحد المرشحين المستقلين. وهؤلاء المرشحون – تحديداً - يذكرونني بالنائب الشهير "أبو زينب" الذي طعن منافسُوه ضده في المحكمة، بحجة أنه غير مؤهل للترشح، لأنه لا يجيد الكتابة والقراءة. وحينما جاء الخصوم إلى جلسة النطق بالحكم، طلب الطاعنون من القاضي أن يأمر "أبو زينب" بأن يكتب – ولو اسمه فقط – حتى يتأكد من أنه أمي ولا يفك الخط. وحينما طلب القاضي من "أبو زينب" المطعون ضده ذلك، فإذا به يجتاز الامتحان العسير، ويتمكن من كتابة اسمه، بعد "تلتلة شديدة". هنا ضجت قاعة المحكمة والشوارع المحيطة بها، بالهتاف الداوي من أنصار المطعون ضده، تعبيراً عن الفرحة "كتب.. كتب.. أبو زينب كتب". حسناً، فمن باب إحقاق الحق، لا بد أن نُحي محكمة الطعون الإدارية التي مارست قدراً من المسؤولية، في زمن العدم وإنعدام المنصفين، وأبعدت مثل هؤلاء النواب، وكفت الوطن شرور جهلهم. لكن مع ذلك فالخطر يبقى قائماً، طالما أن سماء الأميين غائمة، ويمكن أن تُمطر في - أي لحظة - نواباً جُهّالاً، بينهم من تعوزه المعرفة الكافية. وهذا ما يجعلنا لا نتعشم في أن يتداخلوا في الجلسات التشريعية بصورة ذكية، أو أن ينظروا بزاوية متفردة..!. نُشر بصحيفة (الصيحة)