أذكر أنه وفي أحد أعياد الحب، قدم لي صديق باقة من الورود الحمراء الطبيعية الجميلة، ومعها زجاجة عطر، وكان اختيار العطر والورود من يد زوجته شخصياً، بمعنى أنه اشترى لزوجته هدية وطلب منها اختيار هديتي، ثم قدمها لي، ولم يفعل ذلك لأنه متيم ومغرم بي، أو لأن زوجته ساذجة وعبيطة، وإنما حدث ذلك لأنهما أرادا أن يقولا لي، أن أسرتنا تحبك وتودك، وهذا ما يثبت أن ممارسة الحب أشمل وأكبر وأعمق من كل فكر. ورغم هذا وغيره إلا أنه وفي كل عام تشرع أسنة حرب الكراهية في اتجاه عيد الحب، وتقابل مناسبة العشق بالكره والبغض، وينبري أكثرنا للنيل من المناسبة والمحتفلين بها. ولا أدري لماذا نحن دوماً نناقض أنفسنا بأنفسنا، ففي الوقت الذي تعتبر فيه أعيادنا الرسمية والدينية، هي الفطر والأضحى والمولد النبوي الشريف ورأس السنة الهجرية، إلا أننا وعلى مدار السنة نواصل الاحتفال بالكثير من الأعياد الأخرى، والتي تندرج عند فهمنا لها بأنها أفكار غربية وعادات يهود ونصارى . بمعنى أننا نشابههم ونقلدهم في كثير من تفاصيل حياتهم، ولكن وبمجرد أن يأتي الحديث عن عيد الحب فإن الدنيا تقوم ولا تقعد. إننا وبصراحة نتعامل مع عيد الحب بحدة أكثر من اللازم (ومزودنها حبتين)، في الهجوم عليه، وهذا في اعتقادي لأن لدينا مشكلة في الأساس مع الحب نفسه، ومع الاعتراف بالعواطف والمشاعر وتبادلها، للدرجة التي تصور لنا أن الذين يحتفلون بعيد الحب ويمارسون طقوسه، هم فقط المراهقون والمراهقات والشباب ال(ماعندهم أهل)، وهذا فهم خاطئ جداً، فالحب ليس لديه عمر افتراضي ولا ممارسته ينبغي أن تكون حصرياً على عمر معين، رغم أننا نعترف أن المراهقين والشباب هم أكثر صدقاً منا في التعبير عن مشاعرهم، في الوقت الذي تلوثت فيه مشاعر الحب عند الكبار، واختلطت بدائي الشهوة والمصلحة، فصار مسخاً مشوهاً. إن عيد الحب وإن اختلفنا أو ارتضينا التسمية، فهو مناسبة طيبة لنفض الغبار عن عواطفنا، وإزالة خيوط العنكبوت عن قلوبنا، هو فرصة لبعث الدفء في مشاعر أصابها البرود، دعونا نمارس الحب بكل أنواعه في هذا اليوم لنحب الله ورسوله وديننا، لنحب أوطاننا وأسرتنا وعملنا، لنحب أحباءنا وأنفسنا. لا تخنقوا الحب عند عبارة الفالنتاين، ولا تحبسوا الكلمة عند خرافات الإغريق وأحاجي الرومان، لا تدعوا سهم كيوبيد يصيبنا ويخطئهم، إن الحب في معناه السامي، هو توجيه رباني وهو وصية من رسولنا رسول الرحمة والحب. انسوا الفالنتاين وأحبوا بعضكم دون مسميات، لا تحجروا على من أراد أن يلبس قميصاً أحمر، أو تنورة حمراء، ولا من جعل الدبدوب (مرساله) لتوصيل عاطفته، كل حر في أن يحب بما يراه مناسباً . نظفوا أفكاركم المشوهة، والتي تربط ارتفاع عدد الأطفال(فاقدي السند بدار المايقوما)، بعيد الحب، لأنها نظرية خطأ، فقد جلست مع أرقام الأطفال خلال السبعة أعوام الأخيرة، وجميعها أثبتت أن أقل نسبة للإنجاب هي التي تصادف عيد الحب، ورأس السنة، بل إن بقية الشهور بحسابات الحمل هي الأكثر حصاداً للأطفال، مقارنةً بهذين الشهرين المغضوب عليهما (فبراير وديسمبر) . الآن لننسَ كيوبيد، ولننسَ الفالنتاين، رغم أننا نحمد لهما أننا لا نتذكر حب بعضنا بعضاً، إلا حين تطل ذكراهما، دعونا نحب بعضنا طول العام مثلما نحب أمهاتنا وأطفالنا طوال السنة، ونحدد لهم يوماً نبثهم فيه حبنا، ونسميه (عيد الأم) و(عيد الطفل). إن الحب قصيدة جميلة، لا يشوه جمالها نشاذ صوت المغني، أو إن كانت الألحان هزيلة، أو فساد ذوق المستمعين، وهذا ما يميز الحب، بكونه جميل مهما اجتمعت السلبيات، وكثرت العيوب في من نحب، فنحن نحبه ونحبه ونزداد حباً له، فالحب دواء وشفاء وترياق ينتهي تاريخ صلاحيته فقط عند ....... أول خيانة . السوداني