لا تحيرني الأسلحة الحديثة التي يمتلكها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).. ولا السيارات الجديدة التي يبدو أنها صممت خصيصاً وخرجت من مصانعها بمواصفات خاصة ل(داعش).. ولا حتى الشباب من كل الجنسيات الذين يخوضون المعارك ببسالة منقطعة النظير.. كل هذا لا يحيرني.. ولكن يدهشني –جداً- شئ آخر.. هو.. فن (الإدارة).. الأسلحة يمكن شراؤها لكل من يملك ثمنها.. والسيارات الحديثة الجديدة كذلك.. والشباب المقاتلون كثر.. في كل أنحاء العالم لا ينقصهم إلا صيحة واحدة فإذا هم جميعاً لديهم محضرون.. لكن المدهش فعلاً هو (إدارة) كل هذه الموارد بمثل هذه الكفاءة والتنظيم والفعالية بل والذكاء.. الجيوش النظامية الحديثة لا تنتصر في معاركها بنيران الأسلحة وحدها.. ولا بالحسابات اللوجستية وحدها.. بل ب(الإدارة) الدقيقة.. و(الإدارة) يقصد بها السيطرة على مكان وزمان الحركة والسكون.. لكل هذه الحشود البشرية والأسلحة وتوظيفها بانسجام كامل بين ماهو في اليد.. وماهو مطلوب في الغد.. وحتى الجيوش القوية المتقدمة مثل الجبش الأمريكي وجيوش الحلفاء في حرب الخليج الثانية أخطأوا أكثر من مرة وقتلوا بعضهم ب(النيران الصديقة).. وهي عملية تنتج عندما يكون الجنود في الزمان والمكان الخطأ.. خطأ (إدارة!).. لكن الملاحظ في حروب (داعش) أنها تضرب وتنتشر وتتوسع وتقفز من دولة إلى أخرى كالفراشة في خفتها وكالنحلة في نشاطها ولسعتها ومع ذلك يكاد يكون بلا أخطاء.. اجتاحت مدينة الموصل في العراق في لمح البصر ثم توسعت حولها... واخترقت الحدود إلى سوريا.. وتمددت في مساحات شاسعة.. ثم فجأة.. عبرت البحر الأبيض المتوسط إلى ليبيا.. مسافة تقترب من ألفي كيلومتر قطعتها كالرياح دون أن تلحظها أو تلاحقها أجهزة المخابرات العالمية المتمرسة.. وفي ليبيا نفسها توغلت إلى أعماق سحيقة رغم وفرة المليشيات المضادة لها وتبعثر خطوط الإمداد في بلد باتت تحكمه أكثر من حكومة ومليشيا.. وحتى في الشريط المؤلم لإعدام العمال المصريين.. مهنية التصوير ودقته لحد الابهار.. وقوة الرسالة الإعلامية المضمنة فيه.. كل ذلك يدل على عقل (إداري) خبير.. يبقى السؤال الأهم.. كيف تعلمت (داعش) وهي ما تزال في سن الفطام كل هذه (الإدارة)؟ الإجابة سهلة.. الأمر ليس (تعلم).. من يديرون (داعش) يمتلكون خبرة ودراية.. بل وربما موهبة في الإدارة.. من هم إذاً؟؟ هذا السؤال ليس له إجابة حاسمة في الوقت الحالي.. لكن بكل يقين إجابته مطوية في صحائف الأسابيع وربما الأيام القليلة القادمات.. هناك سر.. وسيأتي يوم إماطة الحجاب عنه.. وقريباً.. من يدير (داعش)..؟؟ بكل هذه الخبرة المبهرة؟؟.. التيار