هل الجمل القصيرة هي الأوفق أم الجمل الطويلة ؟ الجمل المتقطعة أم الجمل المتصلة ؟ تبدو الكتابة الأدبية بلا معايير ثابتة ، فكل فنان له بصمته الخاصة في الكتابة الأدبية ؛ فلا يمكن تحبيذ الدوس هكسلي على مورافيا، أو كونديرا على يوسف زيدان ، وكأنما الكتابة لا تهتم بالشكل والأسلوب اللغوي. إن اللغة في عصرنا الحديث تتراجع عن كونها غاية إلى وظيفتها الأساسية كوسيلة لنقل المفاهيم، تتراجع الاستعارات عن موقعها السابق وتبقى كرمزية هادئة ومحايدة في العمل الأدبي. الناس اضحوا أكثر اهتماما بالمنطوق به والمسكوت عنه ، المفهوم ولا شيء غير المفهوم . ماذا تريد أن تقول وماذا تريد ألا تقول . وتنهار مكانة الشعر أمام واقع ما بعد الرومانسية ، وسيادة العقلانية المادية وسقوط الأسطورة الميتافيزيقية وصخب التكنولوجيا وثقافة المنافسة الحرة بحثا عن الذات . موراكامي يمثل هذا التمفصل في روايته كافكا على الشاطئ ، حيث تغيب اليابان التاريخية أمام اليابان الحديثة . وينهزم الكهنوت أمام المعرفة كما هو الحال عند امبرتو ايكو ، ويتصدر الحب الكازانوفي المشهد بدلا عن ذاك الطوباوي كما حدثنا ساندور موراي .وتبقت تلك الرواية التي لم تكتب بعد والتي تمثل لنا النهاية الحقيقية لمشهد موت الإله النيتشوي. تلك الرواية التي تفجر لحظة الإنفصال النهائي والاستقلال التام ما بين الألفية الميتة والألفية الوليدة والتي تصادر على مشاهد احتضرت كالحرب الباردة ونرجسية الشيوعية والأكلات الشعبية ..الخ. الرواية التي لم تكتب بعد هي تلك التي يجب أن تستخدم أدوات جديدة في فن التأليف إلى درجة يمكن أن تقلل من تكييف الكلاسيكيين لها كرواية ، وربما إلى درجة إحداث شد وجذب حول طبيعتها ما بين رؤى متجاوزة للماضي ورؤى لا زالت في غيبوبتها التاريخية . الرواية التي لم تكتب بعد ، ستكون متحررة وثورية وسريعة ، وصاخبة ، مفككة وغير متزنة ، ولا تلتزم بأي أصول مقدسة ، حائرة ولكنها مدركة لخطوط صيرورتها دون أن تعنى كثيرا بالنهايات المغلقة لأنها لا تبحث عن نهاية فهي مفتوحة على كافة الإحتمالات . واعتقد أنها ستكون بعيدة عن المؤسسات الثقافية لفترة ليست بالقصيرة إلى أن تتبناها مؤسسات ما شغوفة لمطابقة ما يكتب بالواقع . شغوفة إلى نقل عالم ما بعد الحداثة إلى الورق . أمل الكردفاني 1مارس2015 [email protected]