يوم أمس حبس الناس أنفاسهم وهم يتابعون أخبار مثيرة عن طائرتين تعرضتا لأعطاب واحدة ستر الله فلم تتعرض لأذى كبير.. والثانية في مشهد مأساوي احترقت بالكامل في قلب مطار الخرطوم.. هذا المشهد أعاد للأذهان مذبحة الطائرات في الأعوام 2007 و 2008 والتي بلغت ذروتها بسقوط طائرتين في أقل من أسبوع، واحدة منهما سقطت في جنوب مطار الخرطوم مباشرة في منطقة مزدحمة بالسكان وشاءت إرادة الله أن تقع في ميدان خالٍ من العمران. يوم الطائرات أمس ينبغي أن يعيد فتح ملف السلامة الجوية في الفضاء السوداني مرة أخرى.. صحيح ليس هناك خسائر بشرية لكن الخسائر في السمعة الدولية ستتراكم فوق أطلال الخسائر السابقة لتلطخ سمعتنا الدولية في مجال الطيران والسلامة الجوية.. وهذا مؤذٍ لنا خاصة في الوجه المتعلق بالاستثمار.. فالمستثمرون لا يفصلون بين أوجه البلد الواحد.. أي بقعة في أي موقع من اسم وواجهة البلاد يشوِّه كامل الصورة الدولية.. صحيح أن التحقيق هو أول ما يجب أن تبدأ به رحلة البحث عن أسباب كارثتي الطيران أمس.. لكن بكل أسف لدينا (سمعة تحقيقية) محفوفة بسوء ظن شعبي واسع.. لأن كل حوادث الطيران المروعة.. من قبل حادثة طائرة الشقلة الشهيرة.. حتى آخر حادث انطوت بلجان تحقيق تبدأ عملها ثم تختفي من الساحة ولا يبقى إلا (الذكرى المنسية).. وعلى رأسها طائرة الشهيد الزبير محمد صالح التي أودت بحياة عدد كبير نسبياً. ثقة الشارع العام في لجان التحقيق أفدح من ثقة الناس في سلامة فحص السلامة الجوية لهذه الطائرات التي تتهاوى في كل حين.. والمطلوب هذه المرة تحقيق مختلف.. فيه من الشفافية ما يشرح ويفسر الحوادث.. هل هي مجرد سوء طالع.. أم سوء أحوال جوية.. أم سوء إدارة.. ولأن السودان شاسع مترامي الأطراف. فإن صناعة الطيران ليست مجرد وسيلة كمالية للسفر يقصدها الأثرياء.. السودان في حاجة ماسة لخطوط طيران داخلية تغطي كل مدنه وأرجائه ليس لخدمة المسافرين فحسب. بل لتطوير الاستثمار خاصة الأجنبي في السودان.. إذ ليس معقولاً افتراض أن المستثمرين لديهم الوقت والقدرة على الترحال بين كل سهول وهضاب السودان بالوسائل البرية مهما كانت مترفة.. وفي بلاد في مثل مستوانا مثل الجارة إثيوبيا تتوفر خدمات طيران داخلي بشبكة كثيفة وإلى كل المدن.. ومع ذلك لم يسمع العالم بطائرات تسقط في إثيوبيا.. الأمر فعلاً يتطلب نظرة مختلفة عن ما كان يحدث في الماضي.. وتوفير إجابة صريحة حتى ولو كانت صادمة.. تجيب عن السؤال المثير للرعب.. لماذا تسقط طائرات السودان بمثل هذه السهولة؟؟.. التيار