في بداية النصف الثاني من القرن المنصرم عاد علي الوردي من أمريكا بعد أن أكمل دراسته للدكتوراة وكانت دراسته عن ابن خلدون. في تلك الفترة البعيدة أيام الأسر في حيز الفكر القومي المتزمت والفكر اليساري في صيغته المتحجرة كان علي الوردي وعلى هدى دراسته لعلم الإجتماع وعلم النفس الإجتماعي قد قدم طريق ثالث يدعو الي مجتمع يعتمد اللبرالية السياسية. في تلك الفترة البعيدة كان علي الوردي طليق لم تقيده تبجحات من يتحدثون عن البرجوازية الصغيرة وغيرها من التوهم الذي يصيب النخب بأمراض يصعب الشفاء منها. وقد دعاء إدوارد سعيد في كتابه الأخير النزعة الإنسية وهوكتاب يعتبر شفاء لإدوارد سعيد نفسه من الدوار الذي لازم أفكاره التي سبقت كتابه الأخير بل أن إدواد سعيد قد إعترف أن كتابه الإستشراق قد خدم الأصولية والأصوليين أكثر من خدمته للتنوير. ففي كتاب إدوارد سعيد الأخير عاد إدوار سعيد الي فكرة تجعله متوافق مع أفكار علي الوردي التي قد دعاء إليها في بداية النصف الثاني من القرن المنصرم ومن هنا تتضح بعد الرؤية لعلي الوردي الذي سبق إدوار سعيد بسته عقود حينما رفض المركزية العرقية والطهرانية الدينية وأمراض النخب الثقافية التي تتمثل في التناشز الإجتماعي وإزدواج الشخصية. أما عندنا في السودان مازال من يعاني من الإزدواج في الشخصية يدافع عن البداوة و يذكر مشكلة البرجوازية الصغيرة بفكر متعطل ومتبطل. إعتراف إدوارد سعيد إذا قارنه مع إصرار من يتحدثون عن البرجوازية الصغيرة ويمجدون البداوة بمنهج ماركسي قد إزدراه كل ذو عقل سليم حتي روجس دوبريه الذي قاتل جنبا لجنب مع جيفارا قد قالها واضحة لم يعد الآن وجود أي فيلسوف يحترم نفسه ويكون بإستطاعته الدفاع عن الفكر الشيوعي. أما العدالة الإجتماعية فإنها مسألة أخرى فكما كان يظن الماركسيون في أنتهاء الصراع الطبقي فهناك مسألة نظم الحكم اليوم من تستطيع أن تضع أسس للعدالة الإجتماعية كما يري الفيلسوف ريموند آرون أيام كان جان بول سارتر مالئ الدنيا وشاغل الناس بوهم أن كل من لم يدافع عن الشيوعية والمنظومة الإشتراكية فهوكلب. وحينها كتب ريمون آرون كتابه أفيون المثقفين في نقد مواقف سارتر كفيلسوف أخرق يدافع عن نظم شمولية. مثل حالة سارتر في إنفصامه بالفكر الماركسي اليوم حال من يدافعون عن البداوة وإعادة أدبيات البرجوازية الصغيرة كنوع من التميز الفكري في زمن أصبح لا يمكن لعاقل أن يتبجح بالدفاع عن البداوة إلا إذا كان يجهل علم الإجتماع كما أنتقد كلود ليفي أشتروس سارتر و وصف تمسكه بدفاعه عن الشيوعية في فكرة الإلتزام الأدبي التي وضعت سارتر كأكبر مدافع عن النظم الشمولية بأنه يجهل علم الإجتماع.ِ وكلود ليفي أشتروس قد دافع عن ثقافة الشعوب البدائية في دراسته للهنود الحمر في غابات الأمازون. وقد نتجت من دراسته لهم كتابات أدبية جميلة نذكر منها مدارات حزينة. ورد كلود ليفي أشتروس الإعتبار لثقافات الشعوب البدائية وقال أن لها مكنزمات تفوق ثقافة من يزعمون القيام بفكرة عبء الرجل الأبيض. وهي تختلف عن معالجة علي الوردي للأمراض التي تتأتى من البداوة كالتناشز الإجتماعي وإزدواج الشخصية الذي توصل عبره عالم الإجتماع العراقي علي الوردي لفكرته من دراسة الشخصية العراقية وعممها على المجتمع العربي كله. هذه النخب التي تعاني من مرض التناشز الإجتماعي وإزدواج الشخصية تتقدم الريادات الوطنية غير الواعية وقد أصبحت أكبر معوق للتنمية الإقتصادية. لأنها نخب لم يك لها الوعي الكافي لنقد التراث الذي قد أصبح أكبر معطل للتنمية الإقتصادية والبشرية. اليابان بداءت مشروع التنمية في القرن التاسع عشر وقد تزامن ذلك مع بداء مشروع النهضة في مصر ولكن نجاح اليابان وفشل مصر لأن الريادات الوطنية في اليابان كانت قادرة على نقد التراث وكانت ريادات مدركة لإتجاه وحركة العالم. فكيف نقارن بينها وبين من يدافع عن البداوة اليوم؟ نقد قيم البداوة كلف علي الوردي الكثير كالتهديد بالقتل من قبل أصحاب الطهرانية الدينية وحاربه أصحاب الفكر اليساري المتحجر في العراق في تلك الحقبة وكذلك تزمت القومجية ولكن علي الوردي لم يهادن فقد حورب وأفقر لم يكن كمحمدأركون الذي قد أعلن أنه لم يك على إستعداد من أن يقتل من قبل الأصوليين شأنه شأن فرانسيس بيكون الذي قد قال لم يك مستعد أن يموت في سبيل أفكاره. علي الوردي حورب وهوحي يدافع عن أفكاره واليوم يقال أن التكفيريين قد جرفوا قبره وهو ميت. يا ترى هذا الذي يدافع عن قيم البداوة مهادن للطهرانية الدينية التي يدافع عنها أم هذه قدرة فهمه التي تضعه في مقدمة الريادات الوطنية غير الواعية وخاصة أن لهذا الرجل المدافع عن البداوة ألف ذيل أو قل ألف ضيل يدافع عنه؟ لاحظ علي الوردي تفكك المجتمع بعد سقوط الأمبراطورية العثمانية وقيام الحرب العالمية الأولى. تفكك المجتمع الزراعي المتكون من القبائل والطوائف في سيره بإتجاه أمة ودولة ونشوء طبقات حديثة وفي عملية التغيير لاحظ علي الوردي وجود ثلاثة مشاكل للمجتمع وفي المقدمة صراع البداوة والحضارة وبعدها التناشز الإجتماعي والثالث تفتت الوعي الجمعي وإنغلاقه. طبق علي الوردي منطق ابن خلدون لعلاج أمراض المجتمع العراقي وكذلك عرج على أفكار المدرسة الإجتماعية الأمريكية والمدرسة التاريخية الألمانية بمنطق علمي بعيدا عن وعظ من يدافع عن البداوة عندنا في هذه الأيام. علي الوردي كتب أفكاره في ظل هيمنه اليسار المتحجر والطهرانية الدينية والقومجية والتزمت ولكن كان سابق لزمانه ومازالت أفكاره يصعب فهمها على المدافعين عن البداوة. [email protected]