كم كان صادماً، خبر فصل القيادات التاريخية من الحزب الاتحادي الأصل، بل كان أقرب للمزحة، الفصل عقاباً لأنها عارضت الموافقة على الانتخابات التي يشارك فيها الحزب الاتحادي بذات الصورة التي شارك فيها في حكومة القاعدة العريضة، بل أشد بؤسا. كيف لحزب مثل الاتحادي الأصل أن يُقدم على هذه الخطوة الانتحارية. الصورة تعيد نفسها بكل تفاصيلها القاتلة، الحزب الديمقراطي الاتحادي الأصل، هذا الحزب التاريخي يسير نحو الانتحار بخطى ثابتة لا يتزحزح يمنة ولا يسرى. منذ عام 2011م، إعلان الحكومة العريضة التي شكلها الرئيس بعد انفصال جنوب السودان والتي قرر الحزب الاتحادي أن يُشارك فيها رغم الأوضاع البائسة كانت الرسالة واضحة أن الحزب ماضٍ في طريق حدده قائده ضاربا رغبة الجماهير عُرض الحائط، ولا تزال الندوة الشهيرة بمدينة بحري حاضرة والتي كشفت إلى أي درجة أن الأغلبية الساحقة لا تمُثل الأغلبية، ذات المشهد الذي انتفضت فيه قيادات الحزب وبدت كأنها حددت موقفها، ومنهم من هاجر مغاضباً ومنهم من استعصم ببيته وفضل الصمت ومنهم من ينتظر، ذات المشهد تكرر إبان احتجاجات سبتمبر 2013م والتي كانت حلما للرافضين أن ينسحب الحزب من الحكومة مع وجود الحجة المقنعة التي تجعله أن يتخذ القرار الصعب، لكنه لم يفعل ومضى باتجاه ما يخطط له قائده. الصورة التي نُقلت في الإعلام أمس من مدينة الجنينة بغرب دارفور، والذي بدأ فيها القيادي الاتحادي عثمان عمر الشريف متحمسا ويتفاخر أن الميرغني كلفه بدعم الانتخابات في خطاب ذابت فيه عباءة الحزب الاتحادي وتلاشت تماما داخل جلباب الحزب الحاكم، كان ذلك المشهد كافياً ليشير إلى أي منقلب وصل الحزب التاريخي. فصل القيادات التاريخية ذات الثقل يعني أن الحزب لن يتورع في أن يقرر فصل كل جماهيره إذا عارضت رغبة القائد، بمقارنة بسيطة غير عميقة بين الحزب الاتحادي والحزب الحاكم، من يحتاج إلى من، الاتحادي الأصل وبجماهيره المعروفة ما حاجته إلى كل هذا الهوان، وأي صفقة تستحق أن تُباع لأجلها كل هذه الجماهير الحقيقية، وإلى ماذا سيتحول الحزب بعد فصل هذه القيادات، هل سينكمش ليشمل الأسرة فقط أم يستبدل الذي هو أدنى.. إن ما يحدث داخل الحزب الاتحادي بقيادة الحسن الميرغني بمباركة القائد هو الجنون بعينه. ماذا تبقى للحزب بعد أن تشظى وتقطع وتقسم وتفرق جماعات، إن كان الحزب الحاكم نفسه لم يعد مكترثا لعملية الانتخابات في مجملها، فلماذا يقبل الاتحادي الأصل أن يفتت نفسه لأجل مسألة محسومة سلفاً. التيار