العمل الإعلامي مهما كان حرا ، لديه أهداف وضوابط وغايات سقف إن تجاوزها وقع في المحظور ولا يوجد عمل إعلامي لا يمكن تصنيفه بالتعاطف مع جهة محددة أو تبني خطها السياسي أو أفكارها مهما بلغت درجة حياديته سواء حقيقية كانت أو مصطنعة ، ولا يخالفني أحد فيما اعتقده بأن الراكوبة هي منبر النضال الأول ضد حكم الطغيان الجاثم على صدور السودانيين منذ ربع قرن وما زال يتوعد الناس بالمزيد من سنوات القمع ، وموقفها شرف ينبغي أن تدعيه وتفاخر به وتحافظ عليه. وأشهد للراكوبة التي لا أعرف القائمين عليها ولا يعرفونني بأنها الأفضل بين المواقع من حيث مساحة الحرية ، فهي منذ أن بدأت أكتب فيها لم تحجب لي سوى مقالين ، الأول منهما شكرت لها صنيعها لأنني بعد أن أرسلته قلت لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما كتبته لأنني اكتشفت أنني تسرعت وأن ما بنيت عليه المقال كان معلومة صحفية وفضائية غير صحيحة حيث نفاها المعنيون بها ولكن عدم صحة الخبر لم تكن السبب في حجبه إنما لمعلومات تضمنها ربما لم تعجب المحرر ولكنه حسنا فعل، والثاني تضمن عنوانا كنت أعرف سلفا أنه سيؤدي إلى الإثارة وتحفّظ الإدارة وألومها على حجبه ، لكنها مارست حقها على أية حال. ولا يخلو موقع مهما كان ناجحا من أن يقع أحيانا في أخطاء قد تكون لها مبرراتها عند القائمين عليه ، لكن مثلما يهمنا نجاح الراكوبة التي نستظل بها علينا أن ننبه لما لا يتوافق مع أصول العمل السياسي والإعلامي لأنه مبني على أسس ثابتة خاصة إذا نذر أصحابه أنفسهم لمحاربة الطغيان ومقارعة النظام وأصبحوا منصة لإطلاق صواريخ الإعلام القاتلة على أهداف النظام بحيث أصبح لا يخشى سوى قاعدة الراكوبة الجوية. ولأن لي صلة بالسياسة والإعلام وما يوجع من كلام ويرهب النظام ، فإنني أجزم وأنا على ثقة بأن جماعة الإنقاذ والحزب الوطني يستصبحون بالراكوبة وينامون عليها ويتصببون عرقا وهم يطالعونها لأنها ظلت تفضح أفعالهم المخزية وتتبع سقطاتهم وتكشف عوراتهم وتنشر مؤامراتهم والأهم من كل ذلك جمهورها. الموقع الإعلامي الذي يخدم قضية بعينها ليس صالونا أدبيا يرتاده المجيد والمتدرب والمبتدئ ومن يتعشق السماع ، والسياسة ليست لعبة نظيفة شعارها النوايا الحسنة ، بل ينبغي أن يكون شعار المنابر الناجحة " من مأمَنهِ يؤتى الحَذِر" ، فهي ليست " وكالة من غير بواب " بل هي وكالة يجب أن تكون بوابتها متينة وحارسها عنيفا وحصيفا ، يطرد أصحاب السوابق ويتمعن في أهداف المنافقين وعالما ببواطن الأمور ومآلاتها وإيجابياتها وسلبياتها وأن يحمل غربالا للرصد بحيث لا تمر الشوائب وإن صغرت، لكن الراكوبة فتحت بوابتها على مصراعيها وأفردت ذراعيها ومدت كفيها لأصحاب الرأي فدلف للأسف ، أصحاب التاريخ الأسود والنفوس الضعيفة التي غادرت نظام الإنقاذ كرها أو اتفاقا ولا نعرف حقيقة ذلك أهو مكيدة أم هربا أو طردا وهؤلاء شعارهم " الحرب خدعة " ومن تجربتهم الماثلة أمامنا ما قاله الثعلب العجوز الترابي " سأذهب للسجن حبيسا واذهب أنت للقصر رئيسا لكي نبعد الشبهات حتى تستقر الأمور " وقد كان حيث حكمنا فيما بعد الحبيس ويسوقنا الآن للجنة الرئيس. الراكوبة ، للأسف بهذا الصنيع تصنع وتهيئ أبطال نظام الإنقاذ في سنواته الأسوأ ، ليصبحوا أبطال الغد بعد سقوطه .. تساهم في تلميع من كانوا أحذية النظام التي يطأ بها القاذورات ويقذف بها في وجه الشرفاء من أبناء شعبنا. هناك خطأ أشرت إليه في مقال سابق تشترك فيه المعارضة مع الراكوبة وهي أنها تعتقد أن كل حجر يرجم به النظام يؤلمه ويساهم في إزهاق روحه وإن قذف بهذا الحجر من كانوا يجمعونها يوما ويهشمون بها أضلاع ورؤوس المناضلين في بيوت الأشباح وسجون دبك وشالا وبورتسودان وكوبر والدامر وغيرها ومن صبوا بنزين المقالات لتشعل حرائق الجنوب ودارفور وتصبح وقودا للطائرات التي تلقي بالقنابل على مضاجع الأطفال ومراقد النساء . هذا الفهم المضطرب أيضا هو ما جعل المعارضة تحتضن أسافل وأراذل أقطاب نظام الإنقاذ وأسوأهم تاريخا في صفوفها بعد أن ارتدوا خائبين من أمثال الترابي وصحبه المنافقين. وأخشى أن يكون ذلك دفع الراكوبة لتستقبل بالترحاب عبد الوهاب الأفندي وعثمان ميرغني وحسن مكي وغيرهم ممن تعرفون. لا أعرف سببا واحدا يجعل الراكوبة تفرد تلك المساحة للأفندي وتحتفي به كل ذلك الاحتفاء وتتخير له صور المفكر والمناضل وهو يمسك بالقلم وكأنه يعلمنا بذلك القلم ما لم نكن نعلم .. مثل هذا الفعل يسعد الأفندي لأنه يساهم في محو الصورة القبيحة عنه في أذهان الناس فينسون له سقطاته ومنكراته وأنا على يقين بأن معظم العامة صاروا لا يعرفون عن الأفندي إلا العبارات التي يسبق أو يذيل بها اسمه ، الدكتور الباحث والأستاذ الجامعي وموقف المعارض للنظام وصورة الخيلاء على الراكوبة. الأفندي أيها السادة كان له السهم الأوفر والقدح المعلى في وصول الإخوان المسلمين للسلطة والتخطيط للقمع ثم الدفاع عنهم في وقت لم تكن فيه شبكة انترنت ولا موبايل ولا واتساب حيث كان يلعلع في هيئة الإذاعة البريطانية وهو يدافع عن النظام بشراسة ويكتب في الحياة والقدس العربي والمستقبل التي أنشأها عميل النظام السابق التونسي الحامدي الهاشمي ، ومنابر أخرى بخلاف صحف السودان .. فعل ما يستطيع بالقلم واللسان وهو يدير المكتب الإعلامي بسفارة نظام السودان بلندن وقد يكون من بين الملثمين الذين صفعوا وقمعوا الناس في بيوت الأشباح قبل ذلك. وللأسف فقد كان الأفندي يحدثنا بكل صفاقة في إحدى مقالاته التي اعتلت عرش الراكوبة وزينت به جيدها عن سبع مراحل للإنقاذ أضاعها الرئيس فيما كان الأفندي نفسه أحد ثيران قواديس ساقية الدماء الطافحة لأكثر من نصف تلك الفترة.!!! أما عثمان ميرغني الذي لا يكاد يوم يمر دون أن يطل ويتحكر في الراكوبة ويخلف رحلا على رجل في ظلال الراكوبة فهو أيضا وجد مساحة وتبسط فيها ووجد منبرا لترويج مقالاته وهي وإن كانت ناقدة للنظام لكنها على قلبهم " زي العسل " لأنهم يعرفون دوافعه ولذلك فهو لا يؤذيهم بشيء كما أنه لا يجد من يصدقه ولله در قراء الراكوبة وما أذكى جلساءها الذين لا يمر مقال دون أن يتصدى عدد منهم فيذكّرون هؤلاء الأوغاد بتاريخهم . تعالوا نتأمل سبب مغاضبة هؤلاء للإنقاذ بعد أن شاركوا في صناعتها وأكلوا السحت من مالها الحرام وتبوءوا المناصب وأيدوها في سنوات الضيق فحولوها بنفاقهم رغدا من العيش وبدلوا سنوات القمع فردوس الرضوان ووصفوا سياط القوات النظامية وهي تتجول في السوق العربي لجلد المواطنين جهارا نهارا بأنها حرصا من الثورة لضبط الشارع وجعلوا منع التجول لخمس سنوات ضربا من العمل على راحة المواطنين وهدية للنساء بأمسيات ساهرة فيما كان الأطفال ينامون وبطونهم خاوية وأفئدة أمهاتهم تتقطع ألما ويرددن .. الصباح رباح. فالأمر لا يعدو كون أن هؤلاء المرتدين عن دين النظام ما رضوا بقسمة حسبوها ضيزى وهم يرون الغنائم توزع مالا ووظائف دون حساب يمنة ويسرة ، ورأوا أن جهودهم في الدفاع عن النظام وصناعته تستحق أن تُسترضى وتكافأ بما هو فوق ما أصابهم من عطاء مجذوذ ، لذلك فقط اختلفوا مع النظام ولفظوه أو لفظهم لا فرق. هل سمعتم الأفندي ورفاقه ينتقدون أصل الفكرة التي آمنوا بها ودافعوا عنها ؟ هل سمعتموهم يتحدثون عن أن الفكرة التي صنعت الإنقاذ نفسها باطلة وأن المنهج مرفوض وأن فكرة أسلمة النظام في مجتمع متعدد الأعراق كان لا بد أن تقود للنتائج البشعة التي وصلناها ؟.. هل تنازل هؤلاء عن خزعبلات المد الحضاري ؟ هل انتقد هؤلاء فكرة التمكين ؟ هل تتوقعون لو سقط النظام غدا أن ينتمي هؤلاء لغير حزب إسلامي يغير جلده بتغيير اسمه ؟ سيخرجون غدا في مقدمة المطالبين بالحكم على ذات الأسس والشعارات البالية التي أغرقت السودان في بحر من الدماء وقسمته وحولته شيعا وطوائف وقبائل . أما عثمان ميرغني فهو أشد كفرا ونفاقا ولديه صحيفة وهو متفرغ للكتابة لذلك فهو يحصل على نصيب وافر على الراكوبة ومثله والأفندي هل تتوقعون أن يغير جلده بتغيير النظام أم أنه سيحشد غدا لحزب إخواني جديد أو ينضم لموجود بذات الملامح والشبه ويزعم أنه أحد أبطال المقاومة ؟ هل رأيتم صحيفة عثمان ميرغني تنقل مقالا واحدا لكتاب الراكوبة الناقدين للنظام وسياساته ؟ وعثمان ميرغني نفسه يلتقط أفكار مقالاته من قراء الراكوبة فلا تنخدعوا به ، هل تتجرأ صحيفته على إجراء مقابلة مع أمهات شهداء سبتمبر؟ هؤلاء أيها السادة صنعوا خمر نظام الإنقاذ وحملوها وباعوها وتداولوها ومن ثم باعوها بعد أن راحت السكرة ولذلك استحقوا لعنة الله والملائكة والشعب أجمعين. هؤلاء أيها السادة مثلهم مثل الأموال القذرة في السياسة فهم ومن وراءهم يبحثون عن منابر سياسية نظيفة لغسيل تلك الشخصيات القدرة والنفوس المريضة لتدخل دورة السياسة ناصعة البياض ويتداولها العامة وكأنها أموال من كسب حلال بالعرق والإجهاد وما دروا أنها من عرق الدعارة السياسية التي مارسوها ردحا من الزمن. إنني أربأ بالراكوبة أن تكون واحدة من تلك المنابر التي تمرر عن غير قصد تلك الأموال القذرة والشخصيات المشبوهة مهما كانت المبررات ومهما ولغ هؤلاء في قدح النظام فما يقولونه ليس بجديد وتجده في كل مقال يكتبه أصحاب المقالات على الراكوبة وغيرها من منصات المقاومة. ما تزال تجربتنا مع الإخوان المسلمين والنميري ماثلة فقد قفزوا لسفينة النجاة عبر المشاركة في الثورة في أخريات أيامها وهم من دفعوا النميري لحتفه بعد أن أغروه بتطبيق ما سمي بقوانين سبتمبر الجائرة وحين جاء رد الجماهير عنيفا ركبوا موجة الثورة هاربين فكان أن زعموا أنهم من قاد الثورة وتمكنوا من حصد أصوات الناخبين عبر تلك الدعاوى الباطلة ، وقد نجوا بأنفسهم من حساب عسير كان ينبغي أن يطالهم ومثل الأفندي وعثمان يتوقعون سقوط النظام في أي وقت ويعدون العدة للظهور بمظهر الذين سكبوا حبر مقالاتهم في التصدي للنظام. سيتغير النظام غدا بمشيئة الله ومشيئة الشعب وسترون في أي صف يصطف هؤلاء المنافقون .!! وعفا الله عن الراكوبة لم أذنت لهم ؟ إضاءة: " سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ۖ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)" صدق الله العظيم. أنظر مقالنا على الراكوبة " عثمان ميرغني وصلاح عووضة .. حملة مباخر الإحباط". أبو الحسن الشاعر [email protected]