بسم الله الرحمن الرحيم لعله من نافلة القول أن نشير هنا الى أن البعثة الدبلوماسية في كل بقاع العالم هي بمثابة المرآة التي ينبغي لها أن تعكس صورة زاهية عن الدولة التي تقوم بتمثيلها من خلال الانشطة السياسية والاقتصادية والثقافية التي تقوم بها في البلد المضيف والتي تصب في صالح بلادها، كتوحيد الرؤي السياسية بين البلدين وتنمية العلاقات الاقتصادية بكل الوسائل الممكنة ورفع سقف التبادل التجاري وكذلك تبادل الخبرات الفنية في المجالات كافة.. وهي الى جانب كل ذلك تقوم بالاعمال القنصلة ورعاية مصالح مواطنيها المقيمين في الدولة المضيفة بتقديم الخدمات الضرورية لهم متى ما لجأوا اليها سواء في مجال استخراج وتجديد الوثائق الثبوتية او الدفاع عن مصالحهم عندما تكون هنالك مشكلة لأي منهم مع أي جهة ما في الدولة المضيفة وذلك متى ما برزت الحاجة لذلك باعتبارهم رعاياها في الدولة التي يقيمون فيهال وباعتبار أن هذه الاعمال هي من صميم واجبات اي بعثة دبلوماسية في الخارج تجاه مواطنيها. ولعل ذلك كان هو ديدن بعثاتنا الدبلوماسية منذ انشائها في اعقاب الاستقلال وحتى ماض قريب .. غير ما ما رشح من أنباء في الصحف الورقية والالكترونية عن حادث مؤسف وقع في قنصليتنا العامة بجدة يندي لها الجبين خجلاً وتتلخص في تعدي مجموعة من منسوبي القنصلية على مواطن سوداني بالضرب والسب والشتم والاهانة والاساءة داخل مباني القنصلة ، لأمر أقل ما يوصف به هو أنه كارثة على الدبلوماسية السودانية، ويكشف بجلاء مدى الانحطاط والدمار الذي لحق بهذا العمل والذي كان طوال العقود الماضية بعيدا عن كل شبهة وعن كل ما يمكن أن يسيئ اليه. فالتصرف الذي قامت به هذه العصابة من البلطجية وأمثالهم من الذين يعملون في بعثاتنا الدبلوماسية .. لا لتمثيل السودان، ولكن للتمثيل به من خلال تصرفات همجية رعناء من هذه الشكاكلة، وتنبئ عن جهل فاضح بأبسط سلوكيات العمل الدبلوماسي والتي ينبغي أن يتمتع بها كل من حمل جواز سفر دبلوماسي وغادر البلاد للعمل في بعثة دبلوماسية بالخارج. ولكن كيف لمثل هؤلاء المتخلفين أن يرتقوا لمستوى هذا المفهوم وهم الذين أتت بهم المقادير وصدف التاريخ لهذا المواقع في غفلة من الزمن. يحدث كل ذلك داخل بعثة دبلوماسية سودانية ولا نرى تحركاً من قبل المسئول الاول فيها تجاه هذا الاعتداء الهمجي الذي تعرض له مواطن سوداني كل ذنبه أنه أتي للبعثة لاستخراج بعض الوثائق الثبوتية له ولأفراد أسرته، فاذا به يتعرض لأبشع صنوف الاهانة والسب والشتم والضرب من عصابة اجرامية تسيئ للوطن قبل أن تسيئ للضحية. وكان الاجدر برئيس البعثة أن يقوم باستعمال سلطاته كرئيس للبعثة لردع كل الذين شاركوا في تلك المهزلة .. أولاً بايقافهم فوراً عن العمل ومنع دخولهم للبعثة .. يتبعه باجراء آخر اكثر صرامة وحسماً وذلك بارجاعهم فوراً الى الخرطوم .. ومن ثم يقوم بكتابة تقرير مفصل عن الاحداث ويبرر ما قام به من اجراء كرئيس للبعثة .. وقبل هذا وذلك يقوم برد الحق الأدبي للمواطن المعتدى عليه، بالاعتذار له ولكل المواطنين في منطقة التمثيل عن ما حدث من تصرف مشين لا يمت للخلق السوداني بشئ، من قبل اشخاص غير جديرين بتمثيل البلاد في اي موقع. ولكن اجراء كهذا لم يحدث ولن يحدث طال الزمن أو قصر . أما رئاسة وزارة الخارجية فحالها ليست بافضل من حال بعثاتها في الخارج مما تعانيه من تدني مريع في مستوى الاداء، بعد أن كانت هي الوحدة الحكومية الوحيدة التي اشتهرت بالتميز والمؤسسية في الاداء والانضباط . أما اللجنة التي تم تشكيلها بواسطة وزير الخارجية لتقصي الحقائق في تلك الاحداث .. فهو اجراء في تقدير الكثيرين روتيني ولن تجدي نفعاً وهي بمثابة الخطوة الأولى لقبر هذا الموضوع .. وهناك مثل مشهور يتم تداوله في مكاتب الخدمة المدنية مفاده "ان أردت أن تقتل موضوعاً فشكّل له لجنة" .. وبالفعل فقد بدأت الخطوة الاولى لقتل الموضوع في مهده. حيث لن تقدم اللجنة المكلفة بالتحقيق في هذا الحادث اجراء يعيد للمتضرر حقه الأدبي بمحاسبة المعتدين عليه. وستحاول اللجنة في تقريرها المنتظر صدوره خلال اسبوع، تبرئة ساحة المعتدين على المواطن المسكين وتبرير التصرف الهمجي .. وتصوير الضحية وكأنه هو المعتدي .. ثم يقذف بالتقرير في ركن قصي من اركان أحد مكاتب الوزارة، وذلك تفادياً لأي مواجهة مع الجهات التي يتبع لها أولئك النفر من المعتدين. ويبقى أبو زيد لا غزا ولا شاف الغزو .. وسننتظر ونرى. [email protected]