قد يعرف الكل أنه ليست كل التغييرات التي تحدث حولنا جيدة أو حتى ضرورية ، ولكن مع عالم نطالع فيه كل يوم شيئا جديدا نجد أنه من الأفضل لنا أن نتعلم ونُكيِّف أنفسنا على التعامل مع هذه المُتغيرات ومحاولة الاستمتاع بها ما أمكن ذلك بدلا عن التقوقع والتمترس في حال واحد . والحياة ليست طريقا ممهدا ومُعبَّدا يمكنك السير فيه دون مطبَّات وتعرُّجات هنا وهناك ، ولكن يجب عليك أن تتقن فن التعامل مع هذه المطبًّات وكذلك تزرع ثقتك في نفسك التي تُمكِّنك من فتح كل الأبواب المُغلقة ، ليست تلك التي لم نحلم بفتحها يوما ، ولكن كذلك التي تثبت الأيام أنها كانت الخيار الأفضل ... ونوعد القراء الاسترسال في هذا الموضوع في الأسابيع القادمة مستعرضين بعض الأمثلة بمشيئة الله. استرعتني بعض التعليقات هنا وهناك في الفترة الأخيرة وذكرتني بمقولة : كل إناء بما فيه ينضح .. فقد نجد تفاوتا في ردة فعل البعض وتفاعلهم مع ما يقابلهم من وقائع وأحداث ! وحاولت استدعي بعض الخبرات العملية والعلمية التي خبرتها وتحديدا في علم المناعة والتقنية الحيوية ؛ فنجد مثلا مرضى عمى الأنهار الذي يسببه طفيل وتنقله الذبابة السوداء (من عائلة النمتَّي) وهو ينتشر في مناطق مختلفة بالسودان وإن كانت الغالبية العظمى في جنوب السودان نجد أن بعض المرضى وفي مناطق جغرافية مُعيَّنة يُصابون بتدهور في قدرتهم على الرؤية تنتهي بالعمى إن لم تجد الاهتمام المناسب ، بينما نجد أن البعض الآخر يُعاني من حكة جلدية تتفاوت في شدتها وقوتها ، ولكنه يبقى مرضا جلديا فقط دون حدوث العمى . هذه الظاهرة كانت مدعاة لدراسات عديدة لتفسيرها ، وهي غالبا ترتبط بالخواص المناعية للشخص المصاب نفسه فهنالك من يتفاعل بقوة وتقوم الخلايا المناعية بقتل يرقات الطفيل داخل الجسم ممّا يترتب عليه التهابات جلدية وشعور رهيب بالحكة وعدم الراحة بينما يظل البعض الآخر في حالة سكون تنخفض عندهم ردة الفعل المناعية بصورة كبيرة ممَّا يتيح الفرصة لهذه اليرقات لتهاجر داخل الجسم وتصل للعين وقد تؤدي للعمى . من خلال الدراسات المختلفة قد يكون ايضا الاستعداد الفطري والخلفية الوراثية قد لعبت دورا في تفسير تفاوت ردود الفعل المناعية والتعامل مع هذه الأجسام الغريبة التي تغزو أجسام المصابين. إذن هنالك أسبابا وظيفية وأخرى وراثية ذات علاقة بالجينات. وقد تذكرت كل ذلك وأنا أطالع وأتابع تصريحات العديد من المسئولين هنا وهناك وردود أفعالهم لما يدور في الساحة من أحداث ، فنجد أولئك الذين يطلقون العنان لانفعالاتهم والتي تنعكس في تصريحاتهم وكذلك انعكاس ذلك في اتخاذ قرارات فطيرة وترتيبات مُعيبة وما يصاحب ذلك من تراكمات فشل والتهابات لجروح غائرة في النفوس يُصعب اندمالها .. والغريب أن معظم عدم الثبات الانفعالي نجده مرتبطا بجماعات ذات توجه واحد أو ذات رؤية ايدولوجية أو تنظيمية معيَّنة وذلك على امتداد دول المنطقة ، ممَّا حداني أن أربط ذلك بالاستعداد الجيني الوراثي عند تفسير ردود الأفعال المناعية لمرضى عمى الأنهار بينما يمكن تشبيه ردود الأفعال المصاحبة لمواقف حياتية تحدث بين البشر هنا وهناك في الطرقات وقوانين المرور وما شابه ذلك يمكن تشبيها بالانفعالات الوظيفية والتي قد تؤدي لخلافات فورية تنتهي بعراك أو تبادل إساءات لها نتائج ومُخرجات آنية أو سريعة مثل الالتهابات الحادة بالجلد والحكة الشديدة ؛ بينما تلكم التي تأتي من بعض المسئولين والتي تسبب جرحا غائرا في نفوس شعوبهم قد تمر دون رد فعل آني ولكنها كيرقات الطفيل تهاجر داخل الأجسام وقد تصل للعين وتسبب العمى الكامل الذي لا علاج له (Irreversible blindness)) وعندها لا يرى ذلك الشعب شيئا ويبدأ في تدمير كل ما تصل إليه الأيادي ويتم استدعاء المخزون في حاشية الذاكرة إلى بؤرة الذاكرة، وقد نلاحظ ذلك في العديد من الدول التي انفرط فيها العقد وتناثرت حباته بطريقة يصعب جمعها من جديد ... في المقال السابق تطرقنا لتصرفات بعض الفئات الضالة في الخليج وما تسببه من دمار كبير لسمعة البلاد ، ولكن الشيء المطمئن أن الغالبية العظمى من اولئك النفر هم من غير المقيمين ويأتون بتأشيرات زيارة ممَّا يجعل الحل أكثر سهولة لو تفاعلت السلطات مع هذا الأمر بالجديِّة اللازمة في وضع ضوابط للمغادرين لهذه الدول خاصة دولة الإمارات. وليس أصدق من ذلك من الاشراقات التي نراها من أفراد الجالية وآخرهم المهندس عمَّار الذي ضرب مثلا عظيما في الشرف والأمانة وهو يرد مبلغا طائلا وجده في مطار دبي .. وكذلك السوداني الأصيل بالمدينة المنورة وأسرته الكريمة وهو يعلن عن وجود مبلغا ضخما في الشقة التي انتقل إليها حديثا .. كما أرجو أن نترحم على الاستاذ الدكتور الهادي نور الدائم محمود والذي انتقل لرحمة مولاه الاسبوع المنصرم وهو استاذ بكلية الصيدلة بجامعة عجمان والتي يديرها بكفاءة شديدة طاقم من العلماء والاساتذة السودانيين بصورة مشرفة والحمد لله ، وقد ظل دكتور الهادي يمارس عمله لآخر أيام في حياته رغم المرض والمعاناة التي تعرض إليها ضاربا أروع الأمثلة في التجرد والجديَّة .. اللهمَّ أرحمه واجعله في عليين. أفرحني كثيرا خبر تكريم عالم من علماء البلاد قد لا يعرفه الكثيرون ولكنه له اسم كبير في الدوريات العلمية ويُعتبر مرجعا في أحد الأمراض المُهملة (المايستوما) وفي التعليم الطبي والمنظمات الصحية العالمية ألا وهو البروفسور الانسان الشيخ محجوب جعفر والذي يخجلك بتواضعه الجم ووجه البشوش .. متعه الله بالصحة والعافية .. وقد كان لي الشرف بأن عملت معه عن قرب إبَّان المؤتمر العلمي الأول لجامعة العلوم الطبية وقد كنت مقررا وهو ضمن اللجنة العلمية المنظمة لتلكم التظاهرة العلمية الضخمة وقتها. ونشكر القائمين على تكريم عالمنا الجليل .. وكم أتمنى أن نرى قريبا تكريم العالم الجليل بروفسور أحمد محمد الحسن وهو علم في رأسه نار ظللنا نجد اسمه في كل تظاهره علمية على مستوى العالم وله عدد مهول من الأوراق العلمية في المجلات والدوريات الطبية والعلمية .. متعه الله بالصحة والعافية.. من عمود خبز الفنادك – صحيفة التغيير [email protected]