ربما إمعاناً في تجسيد وعرض الصور المقلوبة باسلوب الخداع البصري .. تقوم قناة الدعاية الإنتخابية إياها ذات الصوت الواحد والصورة التى لا شريك لها ..بعرضٍ مضحك لعدد من الكراسي الشاغرة تتعاقب في الشاشة وتتبعها لقطات لمرشحي الرئاسة كلٌ يسيل لعابه وهو ينظر الى تلك الصورة التي تنتهي بعرض كرسي وثير..واحد .. ثم تبرز عبارة ..(لمن الكرسي ) لتتوافق مع ظهورآخر صورة وهي للرئيس الحالي والقادم والدائم وما الدائم إلا وجه ربنا ذي الجلال والإكرام. وكأن القناة المأجورة ولعل أجرها المادي كان في حجم الكذبة كبيراً ولا نقول عظيماً.. تريد أن تقول لشعبنا الذي تعلو رؤوسه القنانير التي ربتها له الإنقاذ و سقتها من سراب التدليس على مدى تكلسها فوق الأكتاف ربع قرن من الحمل الثقيل .. بأن المنافسة الرئاسية تحتمل عنصر المفاجأت بان يجلس أو تجلس على ذلك الكرسي المحتل واحد أو واحدة من الحالمين بامتطاء ظهر النعامة ! الصدمات القوية على الدماغ قد تعيد الذاكرة لمن فقدها .. لذا فقد إستيقظ في مخيلتي شريط من أيام الطفولة وأنا اشاهد في إنتخابات البرلمان الأول عقب الإستقلال ولأول مرة في حياتي أرتالاً من السيارات تشق قريتنا ومن على ظهورها يهتف الرجال في حماس وتشنج ( الكرسي لمين ) فيردون على أنفسهم بإسم مرشحهم . ثم تأتي في اليوم التالي مواكب المرشح الآخر تنادي بإسمه هو الآخر وتمنيه بالجلوس على الكرسي . لم أفهم وقتها ماهو البرلمان ولاعبارة مرشح و لماذا يتجاذب الرجلان ذلك الكرسي وماهي اهميته ! وما عاد الى ذاكرتي أيضاً وبعد أن دلف والدي عليه الرحمة معمعة الترشح و الفوز والسقوط .. ان المرشح الذي يخسر السباق يكون أول المهنئين للذي فاز دون شعورٍ بالإنكسار أو الإحساس بمرارة الهزيمة .. فيما يقوم الفائز دون غرور بنصره برد التحية لمنافسه ومخاطبة من صوتوا ضده أنه بات نائباً عن الكل دون تفرقة او محاباة.. ! لم نسمعهم يتنابذون اويتبادلون الشتائم رغم بكور الوعي الديمقراطي وبدايات الممارسة في حد ذاتها ! الآن طبعا هرمنا وكبرت أحزاننا وفهمنا لماذا يلتصق الرجال بالكرسي وماهي حلاوة الجلوس عليه أو مجرد طعم اللمس فوقه أو حتى تحسس صورته من على البعد بالنظر فقط في لحظة الحلم بذلك الجلوس الذي يظل مستحيلا على من يتوقون اليه في ظل إحتلال رجل واحد له..رصت من خلفه أيضا الكراسي البرلمانية لآخذ الصورة التذكارية معه .. قبل أن ينطلق ذلك التنافس بلا منافسين .. يا تري لمن الكرسي .. هل تجهلون الأمر مثلما كنت أنا غض الإيهاب حينها.. وضمن مسطحي الشياب الآن !