بقلم . بيتر كير فجاة من دون مقدمات ضرب الجفاف باضنابه انحاء المعمورة في ذلك العام 1988, وبات رؤية الحبة الواحدة للعيش من المستحيلات , ليس ذلك فحسب بل امسى القطر ينهمر بشكل مستمر الاثرمان , دون انقطاع . هذا الدجن الذي يكف ويهطل ليلا ونهارا دون توقف جعل من امر الفشكرة والفلاحة من المستحيلات لاهالي تلكم القرية الصغيرة الهادئة والمتواضعة في اقليم جنوب السودان . الاطفال يملاؤن الاصقاع نقيعا وصراخا جوعا من شدة بزوغ فجر اليوم وغروب الذكاء في الغرب ولم يدخل في بطونهم ماكل او اي شي يتصبرون بها ليوم يجدون فيه ما يسد رمقهم ان شاء الله . لان في تلكم القرية لم يفضل شي يمكن ان يكون مصدرا للاكل سواء اكان للاطفال او للكبار من الجنسين , رغم شهرة اهل هذه القرية العابدة بتربية السوام لاسيما الابقار , الماعز والضان . الا ان الحرب التي جثمت في صدر هذا الجزء العزيز من السودان اوحت للجيران في الجزء الشمالي من السودان لكيما ياتوا على بكرة ابيهم مسلحين بسلاح الطمع والنية المبيتة لمسح الاهالي من الوجود واخذ خيراتهم التي منحها اياهم رب العالمين . لذلك كانوا ياتون ممتطين الخيول والجمال والبعض الاخر منهم يمشون على الاقدام هادفين قتل كل من يلفونه امامهم من الرجال الاصحاء واختطاف بنات الحجول والاطفال الصغار من الجنسين ليستفاد منهم بالاشتغال في الارباع نصفاء او يكونوا رعاة للابقار والبهائم . اما الابقار التي عرفت بها اهالي هذه القرية فاما اخذت كغنائم او ذبحت من قبل الغزاة من جيرانهم الذين رموا في سلة المهملات والى الابد وصية الرسول صلى الله عليه وسلم على الجار وحسن معاملته . صارت عادة متبعة في هذه القرية ان يخرج النساء بعد كل فاصل صغير لانصباب المصد الشديد الى الغابة المجاورة بحثا عن بيوت النمل التي شاءات الاقدار ان تكون غير ممسوسة من قبل من احد . وقد كان البحث عن هكذا البيوت للنمل امرا مضنية وصعبة بما تحمل الكلمة من معنى مقرونة بالوضع الماساوي والمزري للاطفال من الخلف في الربع ممزوجة بالاجواء الممطرة والقارص البرد الذي يزلزل الاركان . وعندما تسترزق هذه النسوة بواحد البيت من بيوت النمل يقمن بحفره بتاني وروية منقطع النظير حتى يصلن الى المطمورة التي دفنت فيها النملة حبات العيش التي التقطها حبة حبة بعد لاي في المزارع في السنة ما قبل سنة البقعاء هذه . وبعد ما تجد هذه النساء حفنة من الحبيبات يقمن بتقسيمها بالتساوي فيما بينهن بالقسط والانصاف ويسرعن عائدات الى بيوتهن ليلحقن صغارهن الذين يتلوون من الغرث والمسغبة . في بعض الاحيان يكن محظوظات في بيت النمل الواحد بحيث تخرج كل واحدة منهن بالقدح الواحد من حبات العيش وفي اكثر الاوقات لا تجدن سوى اقل من القدح بكثير ولكن رغم ذلك يخرجن لابسات ثوب الغبطة والحبور في وجوهن . لان ايجاد الحبة الواحدة من العيش يعني ان الصغار في ذلك اليوم سيكون نبض قلوبهم مضمون النبضان ليوم واحد اكثرعلى الاقل وهذا محمدة كبيرة جدا بالنسبة لهن . دابت هؤلاء النساء المكافحات يقمن بهذه العادة من شهر ابريل ومايو ويونيو حتى اضحت بيوت النمل معدومة على الاطلاق في محيط تلكم القرية او غدت خالية من الحبات نهائيا ان وجدت. عقد خراطيم القوم اجتماعا طارئا لمناقشة هذا الوضع الذي ينذر بكارثة محققة في قادم الشهور من شهور العام ان لم يفكروا جيدا في مخرج يخرجهم من هذه الباقعة الواقعة عليهم لا ريب من ذلك . جلس كبير مشائخ هذه القرية وعلامات العبوس والتجهم بائنة على وجهه ولابسا في جسمه كله رداء الحزن والغيظ ويحملق في المستقبل القاتم لشعبه الذي شاءات الاقدار ان يكتبوا جنوبين من جنوب السودان في سجل الشعوب في الضراء والغبراء . واثناء الاجتماع جلس في وسط الشيخ الكبير بول شيخ الحلة , الشيخ دينق والشيخ لوال والعمدة كواج وخلافهم من العمد والاعيان والمشايخ وكلهم يتغمطهم الحنق ويتاملون في الملجا من هذا النيط المحقق لمرؤسيهم بسبب الجوع . قام الشيخ بول وهو كبير المشايخ في هذه القرية الحليمة يخطب في الشيوخ الادنى منه في الهرم السلطوي قائلا . اعرف تماما ايها المشايخ الذين تجلسون امامي اليوم في هذا اليوم المفصلي الذي فيه نقرر معا ما عسانا نفعل لننقذ شعبنا من الحمام الذي يحيط بهم من كل حدب وصوب منذ فترة ليست بقصيرة , وقد وصلت بنا الكارثة لدرجة لم يعد ثمة من يملك مقدار ذرة من المال ولا حتى بقرة واحدة حلوبة تدر لبنا لصغار الاطفال . ولو كان هناك من يملك ما اشرت اليه اعلاه من قليل القوت او المال لما تماسك به او تباخل للاطفال الرضع احد ,لاننا مشهودون منذ عهود سحيقة بالجود وفياض الكرم للقريب والغريب على حد سواء. لذلك اسعد كثيرا ان اصغي مقترحات قيمة وفيدة منكم بها نواجه الشدائد الماثلة بمواطنينا اليوم والتي باتت تحيط بنا احاطة السوار بالمعصم , فحيا بكم بوحوا واطرحوا بما ترون من قويم الجادة التي يمكن ان نسلكها لانتشال شعبنا العظيم من الوحل الجوعوي والعوز والفقر المدقع نتيجة للقحط الذي ضرب هذه المنطقة . ونواصل [email protected]