مضي الحزب الحاكم في برنامجه وأنفذ عملية الإنتخابات دونما التوصل لتسوية سياسية كان سيكون لها أثرا فعالا في مسيرة الحكم بالبلاد وأمنها و إستقرارها إلا ان العقلية التي يدير بها الحزب الدولة تفتقر للرؤية الثاقبة للإمور وفضلت الإنتقال للمرحلة القادمة وكل مشكلاتنا مؤجلة الحلول ولم يكن هذا الأمر مستغربا حيث تعودنا منهم الإنكفاء علي الذات والإستعلاء على الآخر ومن ثمّ الإنفرارد بالقرار السياسي والذي غالبا ما تكون كُلفته باهظة الثمن وعواقبه وخيمة علي مستقبل البلاد ونماءها. ولئن كان قد تحقق النصر للحزب الحاكم في إنتخابات كان هو المنافس الوحيد فيها لنفسه فالسؤال هل إستوعب الحزب الدرس من المقاطعة الجماهيرية الصامتة للعملية الإنتخابية؟ وهل يستطيع دفع مستحقات المرحلة القادمة ؟ وهل يستطيع الوصول لسلام يوقف نزيف البلاد في أطرافها؟ وهل يستطيع أن يقود البلاد لتنمية حقيقية نتجاوز بها عهود الفقر والعوز في سنوات قلائل؟ إن الواقع السياسي الذي تشكل في السودان عقب خروج المستعمر في عام1956م ما كان له أن يتشكل لولا تضحيات جسيمة وتنازلات عظيمة أقبلت عليها القوي الوطنية أنذاك خصوصا القوي التقليدية فقد تنازل الإتحاديون عن دعوتهم للإتحاد مع مصر وقبلوا بأن يكون السودان للسودانيين ذات الشعار الذي يتبناه آل المهدي وطائفتهم الأنصار وحزبهم الأمة القومي والذين كانوا يمنون أنفسهم بأن يصبح إمامهم ملكا علي البلاد وكانوا يتقاسمون النفوذ في البلاد مع الأحزاب الإتحادية وطائفة الختمية قاعدتهم التي يتكؤن عليها , فإذا لم يستوعب النظام هذه الحقائق فإننا سنظل نتأرجح بين القبضة العسكرية البغيضة التي تؤأخر البلاد وتدخلها في عقود من التيه والضياع والحروب و بين تعددية حزبية تأتي بعد فوران الشعب وإنفجار الشارع ثائرا ينادي برحيل الطغاة الظالمين , وسرعان ما يتم التآمر على هذه التعددية حتي لا تنجز عملا ولا تحقق أملا فلا تبكي عليها البواكي ويزهد الناس في المناداة بالديمقراطية ويتحججون بأنها لن تنجح في بلاد تعود أهلها على حياة الكبت والرعب أو أن إنخافض مستوي الوعي لايسمح بذلك..!!! ولعمري فإن الديمقراطية قد نجحت في بلاد محاربة ومحاصرة علي الأقل في حدودها الجغرافية كإسرائيل ونجحت في بلدان أكثر تنوعا إثنيا وثقافيا في مكونها السكاني من بلادنا مثل الهند بلاد تتجسّد فيها الطبقية في أبقض صورها ولكنها إستطاعت أن تكرم إنسانها وتنتصر على مخاوفها وتقر الديمقراطية كوسيلة للتداول السلمي للسلطة بل الديمقراطية تشهد نجاحا في عدد من الدول الأفريقية التي تسامت وتناست جراحاتها وأعلت من قيمة الإنسانية ووفرت لشعوبها أجواء من الحريات الهادئه والهادفة للتنمية والرفاه. كان بإمكان الحزب الحاكم أن يتيح الفرصة لمؤسسات حزبه في ان تمارس الديمقراطية داخل أوعيتها ليقود هو بنفسه حركة التغييرولا أعتقد أن الحزب الذي ظلّ جالسا على كرسي الحكم لربع قرن من الزمان عاجز عن تقديم مرشحا غير الرئيس البشير يتراضوا عليه جميعا ويقدمونه للشعب كخطوة جادة نحو التغيير ولكن لمخاوف غير مفصح عنها تمّ تأجيل الأمر و أصرّت قيادة الحزب علي التمسك بالرئيس البشير ليخوض التنافس الإنتخابي كمرشحا وحيدا لمنصب رئيس الجمهورية لا عن حزب المؤتمر الوطني فحسب بل لمجموعة من الأحزاب المتحالفة معه وعلى رأسها الحزب الإتحادي الأصل وكأن الجميع يحمّل الرئيس البشير مسؤلية إصلاح مسيرة الحكم بالبلاد فهل يا تري نري مسكا في الختام أم على الباغي تدور الدوائر؟ إذا المطوب إنجازه اليوم من النظام الحاكم في نسخته ما بعد إنتخابات 2015 أن يقود البلاد نحو التعددية الحزبية ويقر بأن الديمقراطية نظام أمثل للحكم في البلاد وهذا لا يتأتي إلا إذا تصرّفت الحكومة الجديدة والتي سيشكلها الرئيس الفائز في إنتخابات مقاطعة شعبيا وغير مرحب بها دوليا كحكومة لمرحلة إنتقالية تعطي صلاحيات واسعة لتحرز إنجازات كبري في عملية التسوية السياسية الشاملة وإقرار دستور للبلاد تشترك كل القوي الوطنية في وضعه ويُستفتي الشعب عليه ليُصبح دستورا دائما للبلاد تكفل فيه الحريات وتُنال فيه الحقوق والواجبات علي أساس المواطنة ثم الشروع في بناء الإقتصاد السوداني على أسس سليمة تراعي مصالح الناس في أن يكونوا شركاء في التنمية والنهوض بما يتوفر لهم من إمكانيات وبما يتاح لهم من فرص في تكون جمعيات ومنظمات خدمية في كافة جوانب الحياة وبما يمتلكونه من رصيد معرفي خلاّق لا يزدهر الي في أزمنة الحرية وإكرام إنسانية الإنسان ليتمكن المجتمع من قيادة نفسه وتتفرغ الحكومة للتخطيط للمشاريع العملاقة ومراقبتها بقية التصحيح والتصويب. نقول هذا ونحن نعلم أن النظام لا يتعظ من تجاربه ولا يستمع لآراء الأخرين فالانخابات مضت ولكن الدرس من قبل الجماهير كان بليغا وأحسبه ردا قويا على سلوك النظام الذي ظلّ يتجاهل الشعب ويقمعه بالقوة المفرطة إذا ما صرخ مطالبا بحقوقه فالذاكرة مازالت محتفظة بالمشهد القبيح الذي واجه به أهل الحكم الإحتجاجات الشعبية في الموجة الثورية إيبان أحداث سبتمبر وكأن لسان حال الجماهير يقول خرجنا فواجهتمونا بالرصاص واليوم نجلس في بيوتنا وننظر ماذا تفعلون؟ وحتي إن فزتم فإنه فوز لا قيمة له ولا طعم ولا رائحة لانه إنتصار مزيف لكنه مزين ببريق السلطة وصولجانها والشعب مدرك لحقائق الأشياء لذا نأي بنفسه عن هذه المنافسة محسومة النتائج والتي تفتقر للتنافس الشريف وإن شهدت بعض الدوائر الإنتخابية تنافسا محموما بين الحزب الحاكم ومستقلين إستطاعوا أن يقهروه ويفوزا عليه في دوائر تقع في معاقل قادته وكان أمرها محسوما لصالحه وهذا درس أخر ليفهم قادة النظام أنه إذا لم تكن لكم يدا طولي في التغيير فإن الشعب سيقود المبادرة بنفسه عبر مستقلين وأحزاب صغيرة سرعان ما تتجمع في يوم ما وتصرعكم وتسترد الحكم لشعبنا المناضل الجسور الذي صبر علي أذاكم سنين عددا لا أعتقد ان الخمسة السنين المقبلة يستطيع النظام أن يحقق فيها إنجازات ذات قيمة يمكن أن تضاف لرصيده السالب ليصبح موجبا غير الإستجابة لرغبة الجماهير في إحداث تسوية سياسية شاملة وإطلاق الحريات وبناء دولة المؤسسات والقانون حينها يمكن أن يكون الختام مسكا وإلا فعلى الباغي تدور الدوائر...!!! أحمد بطران عبد القادر [email protected]