في غمرة انشغال الأشقاء بنتائج انتخابات محسومة سلفاً تم تمرير أخطر مخطط في تاريخ الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو الأخطر منذ تبلور الحركة الوطنية عبر سلسلة طويلة من نضالات الخريجين وتحالفاتهم مع تكوينات عديدة في المجتمع السوداني لإنجاز مرحلة الاستقلال والسودنة. إدارة الحسن الميرغني الرئيس الفعلية لما تبقى من الحزب الاتحادي الديمقراطي لملف الانتخابات (للحزب الأصل) خلال انتخابات 2015 قصد بها إعطاؤه فرصة للقيادة في منطقة خالية، وهي الطريقة الآمنة لتعلم قيادة المركبات أول مرة، إذ يحرص المدرب على تعليمك القيادة في الطرق الخالية أول مرة بغية تحقيق التحكم في المركبة قبل الولوج إلى الطريق العام الذي يضج بالمركبات، وليس هنالك طريق أسهل من تلك الانتخابات. الفرصة الذهبية توفرت في تلك الانتخابات الخالية التي ظهر فيها الحسن الميرغني قائداً فرداً وملهماً للحزب الاتحادي الديمقراطي، مع أنه لا يملك من التجارب ما يؤهله لقيادة هذا الكيان الكبير الذي يمثل مجموعة مقدرة من أهل السودان. حتى نكون صادقين لا يمكننا القول إن الحسن الميرغني الذي لا يمتلك أي خبرة سياسية شخص فاقد للسند والدعم، فهو يمثل البيت الميرغني، أو بيت السيد علي الميرغني حتى نكون أكثر دقة، إذ راهنوا عليه منذ سنوات خلت، وكنت قد أشرت إلى هذا في مقال عام2007 بصحيفة الخرطوم، تحت عنوان (الحسن صاعقة النجم). ولمعرفة مولانا محمد عثمان الميرغني لرأي الاتحاديين والختمية في مشاركته في الحكم عقب انتخابات2010 فضل الدفع بنجله جعفر الصادق لمنصب مساعد رئيس الجمهورية، يومها أخرج الحسن الميرغني بيانا غاضبا يقول فيه إن المشاركة لا تمثل أشواق الاتحاديين، وتحول إلى بطل في نظر الاتحاديين جراء تصريحه هذا، وحمَّلته جموع الاتحاديين آمالا لا يقدر عليها، وبالغ بعضهم في الأمنيات راسما غدا أخضر لزعيم مجدد يخرج من صلب الطائفة. وكما أن الحسن يمثل بيت السيد علي الميرغني بكل ثقله ورمزيته في السياسة السودانية، إلا أنه أقصر من ظل والده الذي ظل رمزا لكل الختمية، ثم رئيس الحزب عقب الانتفاضة، ثم رئيس التجمع الوطني الديمقراطي عقب يونيو1989م، لكن الحسن الميرغني يصل إلى الساحة في ظل متغيرات صاخبة، إذ ينازعه أقرب الختمية إليه في القيادة مثل صهره وابن خالته تاج السر الميرغني صاحب الوزن المقدر في شرق السودان. على الجانب الآخر، يقف الاتحاديون موقفاً مثيراً للرثاء والشفقة، فحزبهم يتبدد وهم لا حول ولا قوة لهم إلا العويل وكيل التراب على رؤوسهم، مرددين محاسن موتاهم وتاريخهم الذي لن يغني عنهم شيئا. ومعظم الاتحاديين لديهم موقف من الحكومة الحالية ومن انفراد البيت الميرغني بقيادة الحزب، لكنهم في حالة عجز مطبق لإحداث فعل يبعد حبل المشنقة عن رقبتهم. مولانا محمد عثمان الميرغني أدرك بحنكته وإلمامه بأحوال الاتحاديين هذا الضعف الكبير ووظفه لخدمة مشروعه في أن يظل قائدا أبديا للحزب، وعندما نجحت خطته انتقل إلى مرحلة توريث أنجاله القيادة في حزب خرج أساسا من رحم مؤتمر الخريجين وحركة الأفندية، صاحبة الرؤى التجديدية والطموحات الكبيرة. وفي التاريخ القريب، اجتمع الاتحاديون عقب الانتفاضة لا ختيار قائد من بينهم، ولم يكن السيد محمد عثمان الميرغني من بين الأسماء المطروحة لأسباب عديدة يطول شرحها. ومع ذلك اتفق الاتحاديون جميعهم على أن لا يتفقوا، وقرروا دعوة السيد محمد عثمان الميرغني لقيادة الحزب، ومن هذه النقطة نفذ السيد محمد عثمان وأصبح صاحب الحزب يدني من يشاء ويبعد من يشاء. وعلى الرغم من أن الحسن الميرغني في موقف أضعف بكثير من والده، إلا أنه زاهد في إحداث تسوية مع الاتحاديين والختمية المغاضبين، حتى تعود للحزب حيويته كونه تحالفاً كبيراً بين مجموعة من مكونات المجتمع السوداني، ولكن الحسن يرغب في التعاقد مع الاتحاديين الذين يوافقون العمل كإجراء في حزبهم، فما الذي يدعوه لجعلهم شركاء؟ على الاتحاديين أن يعرفوا أنها فرصتهم الأخيرة لتحقيق وحدة في حزب يضم الاتحاديين وحدهم، أو وحدة تمكنهم من تحقيق تسوية قائمة على شروط وأسس واضحة، تجعل من الحزب حزباً حقيقياً يعبِّر عن تطلعات قواعده، فمهما كانت طموحاتهم الشخصية أو نفورهم من تقديم التنازلات لبعضهم البعض، إلا أنه أمر إذا لم يحدث، فعليهم الاستعداد لحقبة الحزب الملكي الجديد. محمد الفكي سليمان صحيفة اليوم التالي