ضجة في مصر حول مخاوف من سرقة سرير ملكي وزنه 850 كلغ فضة    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    الأهلي المصري يعود ب"تعادل ثمين" من أرض مازيمبي    السُّودان أمام مجلس الأمن: إيران لا تلعب أي دورٍ في الحرب ويجب ردع الإمارات.. ومؤتمر باريس كان يهدف إلى عزل السُّودان!!    إطلاق البوابة الإلكترونيةبسفارة السودان بالقاهرة وتدشين الهوية الرقمية الجديدة    بلينكن عن التدقيق في مزاعم انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان: سترون النتائج قريبا    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    كيميتش يقود بايرن ميونخ للإطاحة بآرسنال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في غياهب المتوسط
نشر في الراكوبة يوم 27 - 04 - 2015

تحملي يا اسمريت ... خطوات قليلة ونصل الي كسلا السودانية ..
تسير العربة المتهالكة ببطء عابرة جبال كرن حاملة في جوفها عدد من الحالمين بحياة افضل ... كنا انا واسمريت يرفرف حولنا حلمنا بالوصول الي اوروبا ... نتوسط العربة المتهالكة ... الهمهمات والثرثرة وكثير من الاهات تصدر من هنا وهناك ... اغمض عيني واسمريت تحط راسها في فخذي وتنام .. اظل انا ارقب الطريق واجتر ذكرياتي مع اسمريت حين التقينا اول مرة في مندفرا ...كانت تعمل نادلة في احدي لكوندات مندفرا المتواضعة ... لمحت مسحة حزن في عينيها ...طلبت منها ان تاتي لي بكوب عصير مثلج ... وحين اتت طلبت منها الجلوس ..رفضت لان صاحب العمل سيطردها ... انتظرتها الي ان انتهت نوبة عملها .. قابلتها وهي تتلفح بدثار وردي وتخفي عينيها بنظارة شمسية .. ابتسمت وهي تراني .... جلسنا كثيرا ... ضحكنا ... تسامرنا ..بكينا علي حالنا ...شربنا كثيرا من القهوة ودخنت انا علبتين من السيجار الردئ....تقابلنا كثيرا ...تنقلنا معا وعملنا معا ... وهاهي الاقدار تجمعنا في رحلة مجهولة الامد ...
جبال توتيل تلوح ... الحلم يقترب .. نخطط انا واسمريت ان نبقي زمنا لنرتب حالنا للسفر الي ليبيا عبر السودان ومنها الي غياهب المتوسط ...السائق الملعون يختار دروبا وعرة ..الجوع يبلغ ذروته والعطش كذلك .. اسمريت لازالت منهكة ولا تقوي علي الحديث حتي .. تغمض عينيها واسمع انينها المتواصل .. يزداد تحفزي وتكبر رغبتي في ان نرتاح اخيرا ..
كسلا بطرقها الخضراء تحتوينا وتعود الروح لاسمريت... اقابل هناك عجوزا طيبة كثيرة الكلام ..نظل انا واسمريت معها بالمنزل تساعدها اسمريت في صنع الحلوي التي تبيعها في منتزه البستان بينما اعمل انا عتالا في سوق الخضار...
يمر اليوم كئيبا ..جذوة الحلم لازالت متقدة ... اسمريت .. تضج عيناها بالامل تردد مع شاعر ارتيريا احمد سعد ..
حكى الزميل قصته :-
تشرد الأقارب
ابواى لاجئان فى السودان
اعيش حائرا بلا امل
قال صاحبى :
متى نعود للميدان
مللت جلسة المقاهى كرهت غربتى
واخشى رحلة النسيان
غدا يا اسمريت سنواصل المسير... ضحكت في جزل .. نعم سنرتاح اخيرا ...سننجب اطفال رائعين .وسانشئ حديقة مليئة بالورود والازهار ...
صباح يفيض بالروعة وانا واسمريت نتجاور مقعدين في بص فخم يطوي الاسفلت سريعا نحو الخرطوم ...اسمريت تتامل الطريق ومافيه من خضرة واناس وبيوت وجبال ..
صوت خوجلي عثمان المنبعث من كاسيت البص يضفي نوعا من البهجة وهو يدندن برائعته ..يا روحي هاجري وفتشي ....
وها نحن الان انا واسمريت تفتش ارواحنا عن راحة طالما حلمنا بها ... غدا فجرا سنركب احدي المركبات لنعبر الصحراء الي ليبيا ..
الخرطوم بزخمها وصخبها ..نغوص في دواخلها .. لا شئ يبهرنا فيها ..فهي محطة عابرة ريثما نصل الي الهدف ..
نتكدس مع بقية الرفاق في رحلتنا المرتقبة ... جابر بكرشه الضخم وجلبابه المتسخ يطلب منا دفع تكلفة الرحلة .. اعينه الثعبانية تجول في الحضور .. ارمقه بقرف وهو ينظر ببلاهة الي اسمريت ... لاشئ اسواء من ما نتعرض له يا اسمريت ... كوني صامدة امام الافاعي البشرية .. جلسنا معا نحتسي كوبا من الشاي في سوق ليبيا .. كان المساء قد ارخي استاره .. عدد من الناس يمارسون التسوق ... اسمريت تنظر اليهم بخوف .. تسامرنا كثيرا .. ادريس رفيقنا في الرحلة كان يحكي لنا بشقف عن قريته الدارفورية .. حكي عن جده داؤود الذي قطع راسه في معركة كرري فظل الراس يردد الشهادة بعيدا عن الجسد.. بينما اليد اليمني في الجسد لازالت تسبح ...
الليل يمضي في هدوء لا يعكر صفوه الا صيحات تاتي من هنا وهناك .. ثمة لص يهرب فزعا بعد ان حاول ادخال يده الي الدكان فيقوم صاحب المتجر النائم بالداخل بمسك يده ومحاولة بترها ... فيفر اللص مرعوبا تاركا خيطا من الدم وراءه ....
جابر يغط في نومة عميقة تاركا صوت شخيره ليعكر صفو جلسة الانس هذه ... الساعات تمر والفجر يلوح ... واشباح تطل من هنا وهناك وصوت شاحنة كبيرة يقترب ... جابر يهب فزعا .. يتحدث في الهاتف .. يطلب منا جميعا الذهاب الي الشاحنة فالان سنتحرك الي ليبيا عبر الصحراء ... تمتمت اسمريت ببعض الادعية ... احسست بهلعها من القادم ...
نتكدس مرة اخري .. النجوم تنظر الينا ..الرمال حولنا والسماء فوقنا ... احمد ابن شرق السودان يدير صوت مسجله ليستمع الجميع الي اغاني البجا ..
انظر نحو اسمريت اجدها مغمضة العينين متكومة بجواري بلا حراك ... الا يثير فيها هذا الغناء حنينا الي وطنها ...!! عدت بذاكراتي الي اول ايامي في ارتيريا ..بعد رحلة عملية الي اسمرا ... ومنذ لحظة وصولي اليها سري فيا عشق لارتريا وشعبها ... ايام مضت واسابيع .. الشركة تهاتفني متي ستعود ...!! لمن اكن ادري كيف اجيب ...وريقة صغيرة ارسلتها عبر الفاكس قطعت صلتي بالشركة في الخرطوم .... استقلت دون ان ادري الاسباب .. شئ ما كان يشدني الي ارتريا ... ربما هي الاقدار .. ان التقي اسمريت ...ومنذ التقيت بها صارت جزء من حياتي .. شقية هي اسمريت ... تضحك كما العصافير .. اكره لبسها للنظارات الشمسية فهي تخفي عني سحر عينيها ...كانت تلون شعرها كما تشاء ....احمر .. وكستنائي وتارة تتركه اسودا كما هو ...
ايام تمضي وندخل الي الكفرة ومنها الي طبرق ...وعبدالحكيم الليبي يتولي امرنا هناك في طبرق .. رائحته نتنه مثل جشعه وهو يطلب منا دفع 3000 دولار لكل فرد ... اخر ما تبقي معنا انا واسمريت 7000 دولار دفعنا منها 6000 دولار وتبقت معنا 1000 اقتسمناها ...
عبدالحكيم يقول بصوت اجش ... في الصبح ستغادر المركب طبرق ..
اخيرا يا اسمريت سنكون هناك في بلاد يموت من البرد حيتانها كما قال سيدي الطيب صالح ... اتعرفينه يا اسمريت ..!! اقراءتي له موسم الهجرة ام عرس الزين ...!!
اسمريت ترسل بصرها بعيدا ... تتمتم بمقاطع لسيدي الطيب من رواية بندر شاه وقالت
(( " ياعبدالله ...
نحن كما ترى نعيش تحت سترة المهيمن الديان .. حياتنا كد و شظف لكن قلوبنا عامرة بالرضا .. قابلين بقسمتنا القسمها الله لنا .. نصلي فروضنا ونحفظ عروضنا .. متحزمين ومتلزمين على نوايب الزمان وصروف القدر .. الكثير لا يبطرنا والقليل لا يقلقنا .. حياتنا طريقها مرسوم من المهد الى اللحد .. القليل العندنا عملناه بسواعدنا .. ماتعدينا على حقوق انسان .. ولا أكلنا ربا أو سحت .. ناس سلام وقت السلام .. وناس غضب وقت الغضب .. الما يعرفنا يظن اننا ضعاف .. اذا نفخنا الهوى بيرمينا .. لكننا في الحقيقة مثل شجر الحراز النابت في الحقول .. وانت ياعبدالله جيتنا من حيث لا ندري .. كقضاء الله وقدره القاك الموج على ابوابنا .. ما نعلم انت مين و قاصد وين ؟؟ .. طالب خير او طالب شر .. مهما كان نحن قبلناك بين ظهرانينا زي ما نقبل الحر والبرد والموت والحياة .. تقيم معنا .. لك ما لنا .. وعليك ما علينا .. اذا كنت خير تجد عندنا كل خير .. واذا كنت شر .. فالله حسبنا ونعم الوكيل " . )) ... وقفت مشدوها امام اسمريت ... حتي اكملت المقطع .. ابتسمت وادارت وجهها نحو البحر وهي تضيف : غدا نسافر مع طيور النورس في رحلة مجهولة المصير ...طمانتها باننا سنكون هناك سنصل ونعيش وننجب ابناء يشبهوني وبنات يشبهونك ...
القارب الابيض يقف علي الشاطي .. طيور النورس تحلق هنا وهناك .. الفجر يوشك علي الانبلاج ... نتكدس في القارب نتدثر باحلامنا وامالنا ... ينطلق المركب في صوت خافت حاملا في جوفه العشرات ... سودانيين .. ارتريين ... اثيوبيين ... صوماليين .. وسوريين
صار امما متحدة جمع بينها مصير واحد وسبب واحد اجبرهم علي الهجرة ..
الساعات تمر .. لا شئ سوي البحر والسماء ... يصرخ حاتم السوري صائحا : اكاد اشم رائحة صقلية ... ترمقه اسمريت بنظرة حزينة وتهمس في اذني وتقول وانا اكاد اشم رائحة الموت ... يا عزيزي اذكرني ان لم يكتب الله لي النجاة من هنا ...
ارد عليها كفي يا اسمريت ... كفاك حزنا وتشاؤم .. .. اقتربنا من الوصول ... اقت.....ر.......... ....
ولم اعد ادرك شيئا بعدها ......احلام وكوابيس ... شجرة تحلق عاليا وسمكة قرش ترقص علي جبل احمر و...... ووووو....
ARE YOU OK !
اين انا ........ !! اين اسمريت !! ماذا حدث !!!
لا احد يجيب سوي انين بعض الناجين وهم يتلقون العناية من حرس الحدود الايطالي ...اعتصرت المي وقفت وصرخت : اسمرييييييييييييييييييييييت.....
ردد البحر خلفي واغرقني في لجة احزان جديدة ....
نص اتمني ان ينال شرف النشر عبر موقعكم المتميز ....
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.