*(إن أسمى أنواع الجمال ليس الذي يفتِننُنا على الفور، بل الذي يتَسَللُ إلينا ببُطء نحملهُ معنا ونحن لا نَكادُ نشعُر بهِ..). - نيتشة- .. أول ما يهف قلب العاشق في محبوبته هو جمالها، والعرب أحسنت في وصف الجمال والحسن قولاً وكلمات وشعراً، ولم يستثن من وصف الجمال الرجال، بل نالهم نصيب من الحسن والوسامة، لكن المرأة هي التي تتكامل بصفات جمالها الجسدي والروحي، وقد امتلأت بطون الكتب في التراث العربي بوصف جمال المرأة والتغني به الكثير الكثير. ومن أحسن ما قيل في جمال المرأة: ما أنت مادحها يا من يشبهها بالشمس والبدر لا بل أنت هاجيها من أين للشمس خال فوق خدها ومضحك من نظام الدر في فيها من أين للبدر أجفان مكحلة بالسحر والغنج تجري في حواشيها وقال بعضهم في سوداء مليحة : يا رب سوداء تجلي بحسنها الظلمات ماذا يعيبون منها وكلها حسنات وقال شاعر آخر: ووجه زال رونقه فأضحت محاسنه بلحيته عيوبا قليل الحظ بالشامات أمسى فما حسناته إلا ذنوبا وقالت العرب في الجمال: الحسن أمر مركب من أشياء وضاءة وصباحة وحسن تشكيل وتخطيط ودموية في البشرة . وقيل أيضاً: الحسن تناسب في الخلقة واعتدالها واستواؤها، ورب صورة متناسبة الخلقة وليست من الحسن بذاك. وقالت عائشة زوج النبي (ص): «البياض شطر الحسن، والجمال الباطن المحمود لذاته كالعلم والبراعة والجود والشجاعة، والجمال الظاهر ما ظهر من غض قوامه الرطيب، ووجهه الذي فاق البدر بلا غيبة للشمس عند المغيب. فعند ذلك يشمت البدر بشاماته، ويقول لخده الذي ازداد حسناً: من زاد زاد الله حسناته، فلذلك قيل: «الحسن الصريح ما استنطق الأفواه بالتسبيح». وقيل بل هو كما قيل: شيء به فتن الوري غير الذي يدعى الجمال ولست أدري ما هو وفي الصحيح أنه لا يدري كنهه، ولا يعرف شبهه، حتى كأنه نكرة لا تتعرف ومجهول لا يعرف، ولذلك قال بعضهم: الحسن معنى لا تناله العبارة ولا يحيط به الوصف، وأحسن الحسن ما لم يجلب بتزيين المكياج. قال الشاعر: إن المليحة من تزّين حليها لا من غدت بحليها تتزين ثم إن بعض الشعراء مدحوا مطلق الحسن والجمال مثل قول قيس بن الملوح: أقبل أرضاً سار فيها جمالها فكيف بدارٍ دار فيها جمالها وقوله أيضاً: هي البدر حسناً والنساء كواكب فشتان بين الكواكب والبدر وقول غيره: دعوا مقلتي تبكي لفقد حبيبها ليطفئ برد الدمع حر كروبها ففي حبل خيط الدمع راحة فطوبى لنفس متعت بحبيبها بمن لو رأته القاطعات أكفها لما رضيت إلا بقطع قلوبها ومما قيل في الوجه الحسن والجميل قول ابن نباتة: إنسية في مثال الجن تحسبها شمساً بدت بين تشريق وتغميم شقت لها الشمس ثوباً في محاسنها فالوجه للشمس والعينان للريم ويقول مجنون ليلى العامرية: أنيري مكان البدر إن أفل البدر وقومي مقام الشمس ما استأخر الفجر ففيك من الشمس المنيرة ضوءها وليس لها منك التبسم والثغر وقول آخر: ففي أربع مني حلت منك أربع فما أنا أدري أيها هاج لي كربي أوجهك، أم عيني، أم الريق في فمي أم النطق في سمعي أم الحب في قلبي فلما سمعه إسحق بن يعقوب الكندي قال: هذا تقسيم فلسفي، وجعله العلوي خمسة فقال: وفي خمسة مني حلت منك خمسة فريقك منها في فمي طيب الرشف ووجهك في عيني، ولمسك يدي ونطقك في سمعي وعرفك في أنفي وقول آخر: إذا احتجبت لم يكفك البدر وجهاً وتكفيك فقد البدر إن غرب البدر وحسبك من شراب مذاقه ريقها والله ما من ريقها حسبك الخمر وقال الموسوي: وجهها جنة، وعذب لمالها سلسبيل وحورها مقلتاها وقال الطغرائي: إذا قدك أم غصن نقا أو رمح ذا وجهك أم الشمس ضحى أم صبح في قلبي منك لوعة أكتمها لو أمكن شرحها لطال الشرح أما عن شعر المرأة المحبوبة الجميل، الكثير من الأقوال والشعر، قالت العرب فليستحسن في الحبيبة شعرها، فإن الشعر الحسن أحد الوجهين، فما قيل فيه قول بكر بن النطاح: بيضاء تسحب من قيام شعرها وتغيب فيه وهو وجه أسحم فكأنها فيه نهار ساطع وكأنه ليل عليها مظلم وقال ابن الوردي عن الحبيبة التي طال شعرها حتى قدميها: كيف أنسى جميل شعر حبيبي وهو كان الشفيع فيّ لديه شعر الشعر أنه رام قتلي فرمى نفسه على قدميه وما أكثر وصف الحسن في المرأة الجميلة التي تفتح لها القلوب، وللعشق والحب حديث طويل، ولنا فيه بقية. [email protected]