هذه العبارة وغيرها أكررها دوماً ويرن في مسمعي الآن.. (أبقى أظهر.. نشوفك.. متين الجية.. إن شاء الله قاعد شوية) كنت أعتبرها كلمات شوق ومحبة وحنية دون أن أدرك كنهها ومعناها الحقيقي.. حفظتها عن ظهر قلب وأنا في المرحلة الثانوية ببورتسودان من أخي الكبير والعزيز عركي الدين محمد عثمان الذي كان يصف سكان العاصمة وينعتهم بها. منذ الاغتراب أدركت تمسك أهلنا بقبلة السودان وهجرانهم قدر المستطاع للخرطوم وضواحيها وتطبيقهم (ممنوع الاقتراب والتصوير) بحذافيرها.. أصبحت أسمع كل هذه العبارات وأكثر منذ مدة طويلة لكن وجود بعض القلة من الشواذ بالتواصل المتقطع كان ينير لي فقط تحت قدمي ويمدني ببصيص أمل بعودة الحب لأرض المحنة، لكن وبكل أسف ومرارة رقعة الجفاء تتسع يوماً بعد الآخر. عدم التواصل واستخدام العبارات السابقة، لا أعتقد أن ثمة علاقة بين جفاء القلوب ونضوب الجيوب، لأن الكثير من هذه الجيوب منتفخة ومتسخة بالمال الحرام ومتضخمة ومتورمة بخلايا سرطانية يجب استئصالها لتتعافى بقية الأعضاء. جيران.. أصحاب.. أصدقاء.. زملاء.. أقارب معظمها صارت عقارب.. المصلحة هي من تجمع وتفرق.. القلوب لم تكن نقية.. تقية.. صافية مثل زمان.. يا سلام يا لها من أيام خوال.. جميلة.. خالية من كل الشوائب.. حبل التواصل كان ممدوداً مشدوداً دون أن ينقطع بين الأبعدين والجار الأربعين.. فعلاً بعض القلوب أصبحت كالحجارة أو أشد قسوة لأن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار.. أيام كان الكل يؤثر الآخر على نفسه ولو كان به خصاصاً.. أيام كان الكذب والخيانة والنفاق والغش عيباً قبل أن يكون حراماً. الصرف البذخي من الميسورين على الميسورين وولائم الأغنياء لا يأكلها إلا مثلهم أو الأكثر ثراء وفحشاً.. اتباع الجنائز أصبحت من المكروهات.. وعيادة المرضى من المندوبات وزيارة الأهل والجيران والأصحاب والأصدقاء والزملاء من المحرمات.. سيدنا أبوبكر الصديق أتعب كل من جاء بعده من البشر.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ:«فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». أخرجه مسلم . وعند الطبراني في الكبير: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَعْلَى بِهِ الضَّحِكُ، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا جَمَعَهُنَّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إِلا مُؤْمِنٌ، وَإِلا دَخَلَ بِهِنَّ الْجَنَّةَ». لا ولم ولن نكون بأخلاق وأفعال وأقوال أبوبكر.. فقط نريد أن نقتدي بالجزء اليسير واليسير جداً من ثاني أثنين إذ هما في الغار. [email protected]