قبل حوالي عامين تقريباً، كنت أجلس داخل قاعة بمحكمة الامتداد بالخرطوم وأنا أتابع جلسات محاكمة أحد المتهمين بأنتحال شخصية رجل شرطة، أسباب وجودي داخل قاعة المحكمة كان من أجل مؤازرة صديقة قديمة لي وقع عليها ذلك الاحتيال وكانت هي الضحية رقم (ثلاثة عشر) لنفس المتهم. المتهم لم ينتحل صفة ضابط شرطة من فراغ؛ فقد كان يعمل في فترة سابقة في الشرطة وتم فصله من الخدمة وإسقاط صفة الانضمام إلى القوات النظامية منه، ولكن لم يتم إسقاط تلك الصفة من بطاقة كان يحملها . عقب ذلك ظل المتهم يستخدم تلك البطاقة بالتزامن مع المهارات التي اكتسبها من العمل في الشرطة؛ مثل استعمال الإيماءات والحركات والعبارات في مواجهة ضحاياه على شاكلة (ثااااااابت) و(بالله جَنِّب لينا بي جاي) و(ماعاوز أسمع نقاش) و(سعادتو شايفكم هناك في البوكس)، وغيرها من العبارات التي يستعملها بعض رجال الشرطة بغرض فرض الهيبة واستعراض العضلات وممارسة الصلاحيات مفتوحة السقف. المهم في الأمر أن ذلك المتهم ظل يصطاد ضحاياه وباستمرار من شارع النيل ويركز على أي رجل وامرأة في وضع انفراد، ولأنه كثيراً ما كان يجد البعض في أوضاع مُخجلة، ظلت فرصة الابتزاز والتهديد تأتيه على طبق من ذهب، وكانت مساوماته تلك تنتهي باقتلاع النقود والمصوغات الذهبية والهواتف النقالة ثم يلوذ عقب ذلك بالفرار. وكان ضحاياه نوعين؛ نوع يلوذ بالصمت و(يقَطِّع الموضوع في مصارينو) خشية الفضيحة ونوع آخر يلجأ إلى الشرطة لأنه لم يفعل شيئاً يستدعي أن يتدثر بالصمت خوف القيل والقال . صديقتي التي تعرضت للتهديد من قبل المتهم في شارع النيل وعند منتصف نهار شهر رمضان تم تجريدها من أموالها ومجوهراتها؛ حيث كانت تقف بالشارع في انتظار ابن عم زوجها الذي جاء من السفر وهو يحمل دواءً لزوجها، وقد تعرض هو الآخر للتهديد بسلاح أبيض، فقد عقبه كل ما يحمله من أموال. صديقتي أخبرت زوجها بالواقعة وقامت بفتح بلاغ واستمرت التحريات حتى تم القبض على المتهم وتقديمه للمحاكمة . تذكرت تلك الواقعة بعد استماعي لحوار بين عدد من رجال الشرطة كانوا يتحدثون عن زيادة معدلات المتهمين بانتحال شخصيات رجال الشرطة وكثرة البلاغات المدونة في مواجهتهم . لاحقاً علمت أن غالبية هؤلاء المتهمين هم من مفصولي الشرطة أو المُحالين إلى التقاعد وقد قاموا باستغلال خبرتهم القديمة وبطاقاتهم تلك في استدراج ضحاياهم. إن ظهور مثل هذه الممارسات ووجود ضحايا لها يعود إلى سببين أساسيين؛ أولهما ضعف الثقافة القانونية لدى بعض المواطنين والتي تجعلهم فريسة سهلة القنص، فلا هم يعرفون حقوقهم ولا يدركون واجباتهم، هذا غير أن ممارسة البعض للسلوك السيء تجعل حجته واهية وفرصة ابتزازه أكبر . أما السبب الآخر فهو أسلوب التعامل بصلف وازدراء وهو أسلوب يُنَاسب الكثير من رجال الشرطة، مما يجعل المواطن العادي يعاني في التفريق بين أسلوب المحتال وأسلوب رجل الشرطة. *نقلا عن السوداني [email protected]