زيارة فريق رفيع من خفر السواحل الأمريكية إلى بورتسودان، والتي احتفى بها المدير العام لهيئة الموانئ البحرية السودانية، جلال الدين محمد شلية، وقال إنها تأتي في إطار (التعاون البناء) وتهدف للتباحث حول صيانة معدات الاتصال وجوانب الأمن والسلامة بموانئ السودان، هي زيارة غريبة ومريبة في آن واحد. لأنه حتى ولو افترضنا أن العلاقات بين البلدين بدأت تشهد نوعاً من الحراك المحدود جداً بتخفيف أمريكا للحظر التقني وسماحها بتصدير بعض أجهزة الاتصالات في خطوة محدودة ومحسوبة من جانب أمريكا فإن الحظر الأمريكي لا يزال قائماً حتى الآن وتلك الخطوات التي تمت يرى الكثيرون أنها تحقق بالأساس أهدافاً محددة لصاحب العقوبات نفسه، وتصب في نفس الاتجاه الذي اتخذته أمريكا في التعامل مع كوبا وإيران وسوريا لتعزيز حرية التعبير بحسب تحليلات صحفية غربية لرفع الحظر عن تصدير أجهزة الاتصال والبث والراديو وبعض البرامج التقنية للسودان.. لكننا على كل حال يجب أن نثني عليها كخطوة من الخطوات المطلوبة لكن مع الاحتفاظ بما يكفي من التحفظات على ترتيب قائمة أولويات رفع الحظر من جانب أمريكا.. الموقف الأمريكي تجاه السودان لم يتغير إلى الآن حتى نفرز كل هذا السائل من الثقة في نواياهم وهم يعرضون علينا خدمات تأمين موانئنا، وتبرز بعض الصحف السودانية أمس مينشيتات احتفائية حمراء عن إبداء واشنطن استعدادها لتعزيز الإجراءات الأمنية بميناء بورتسودان..! تأمينها مِمَنْ ومن ماذا؟.. ومن هو الذي يتجاوز بطائراته مجالنا الجوي أو يهدد موانئ البلاد، حتى نفسح المجال للأمريكان كي يقوموا بتعزيز بحماية بلادنا منه..؟! نحن من أنصار تحسين العلاقات السودانية الأمريكية ومن أنصار الانفتاح على العالم لكن رفع الضرر عن المتضرر لا يتم وفق رؤية وترتيب أولويات من أحدث هذا الضرر بل يجب أن يتم وفق رؤية وترتيب أولويات المتضرر نفسه، هو الذي يشعر بالأذى وهو الذي يحدد موضع الألم، إذا كانت هناك خطة ونية صادقة من جانب أمريكا في العمل على إزالة أضرار الحظر والحصار والعقوبات الشاملة التي ظلت تفرضها على السودان منذ سنوات طويلة.. ومن السذاجة أن نسمح لأمريكا بالدخول إلينا من أبواب الخروج والبدء معنا من المراحل المتقدمة التي تسمح لها بالوجود في مواقع استراتيجية خطيرة مثل الموانئ وهي التي تزحزح للتو شفاهها الملتصقة العابسة بكل تثاقل كي تنجح في تقديم ابتسامة اضطرارية مشروطة في وجهنا. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي