*(ليست الألقاب هي التي تكسب المجد.. بل الناس من يكسبون الألقاب مجداً..). .. يعتقد بعضهم أنّ للألقاب تأثيراً كبيراً على حياتهم لما تتركه من اختلاط في أذهان الناس بين الشخصية ولقبها يصل أحياناً إلى درجة التماهي.. وثمة قناعة لدى من يسعون في هذا الاتجاه بأنّ بعض الألقاب، على الأقل، تجلب لهم الاحترام أو المكانة اللائقة في المجتمع الذي يعيشون فيه، وربما اعتقد بعضهم الآخر بأن اللقب في بعض الأحيان قد يكون وسيلة للتكسب والارتزاق.. وبالطبع فإنّ لكل عهد ألقابه الخاصة به.. فعصرنا على سبيل المثال لم يعد يتقبل ألقاب الأفندي أو الآغا أو البيه أو الباشا..إلخ تلك التي كانت في العهود القديمة تأتي منحة من الحاكم أو ولي الأمر استناداً إلى الثروة أو المكانة الاجتماعية.. كذلك لم يتقبل مجتمعنا لقب المعلّم الذي درج في العقود الأخيرة، ويشير إلى صفة الآمر المطلق ذي النفوذ الواسع والقوة الشديدة، لأن نفوذه، ببساطة لناس دون آخرين، ولأنّ قوته كذلك تكون غاشمة أحياناً..! إنّ عصرنا يميل إلى ألقاب أخرى قد تكون سياسية أو إدارية أو دينية أحياناً، ولكنه أقرب إلى الألقاب التي لها علاقة بالفكر والثقافة وخصوصاً تلك التي تشير إلى درجة علمية محددة، وهذه الأخيرة هي التي تشهد إقبالاً كثيراً عليها هذه الأيام.. فالحصول على لقب دكتور في أي علم كان هو غاية يتوسل إليها الراغبون بطرق شتى أقربها الجاه أو المال.. وثمة أمثلة كثيرة إن أردنا الغوص في التفاصيل..! فالشهادات المؤجل أو المتوقف التصديق عليها في وزارة التعليم العالي أكثر من أن تعد.. على الرغم من أن الكثيرين من أصحابها مظلومون لأنهم أخذوا بجريرة غيرهم عملاً بالمثل القائل: أولاد الحرام لم يتركوا لأولاد الحلال شيئاً ..! ولكن دعونا نمحّص في أمر التماهي بين اللقب وحامله في أذهان الناس جيداً.. فهل هو تماه دائم أم أنّ السلوك العملي المستمر لحامل اللقب هو الفيصل الطبيعي في الحكم؟! أعتقد أن الأمر الآخر هو الصحيح، وهو الذي يسري الآن.. ولهذا السبب بالذات تبدلت نظرة الناس إلى العديد من مؤسساتنا سواء العلمية منها أم القضائية أم سواهما..إذ اختفت أو ضعفت على الأقل تلك الصورة المحاطة بشيء من التقديس.. فأنت عندما تذكر أمام أحد، لا على التعيين، اسم قاض ما، فسوف يبادرك بعدد من الأسئلة، أقلّها: هل هو نزيه أم أنّه يمدّ يده..؟! أتراه يستمع إلى بعض النافذين ويقبل تدخلهم أم لا..؟! أتراه يحكم وفق قناعته والقوانين أم أنّ أهواءه تغلب عقله..؟! وكذلك الأمر حين تذكر اسم أستاذ جامعي، فسوف تنتاب السامع بعض الوساوس والهواجس، وستدور في ذهنه صور شتى عن المقدرة العلمية وعن أسلوب التصحيح وعن بيع الأسئلة وعن الكثير من المسائل الأخلاقية التي منها التطاول على الطالبات وابتزازهن إن كان ثمة مجال.. وربما دارت بذهنه التطاولات الغريبة الأخرى غير المعهودة على الجامعة فصنعتها أو كيفتها على هواها.. ووفقاً لغايات لا علاقة لها بالعلم أو العلوم.. تماماً كما حصل في القضاء وفي مؤسسات أخرى أقل أو أكثر شأناً..! إنني بالطبع لا أتحدث عن أفراد.. بل عن ظواهر عامة طاغية وسمت تلك المؤسسات بميسمها، ولا يغير من الأمر شيئاً وجود أفراد هنا وهناك ما يزالون يحترمون أنفسهم وقدسية الأمكنة التي يشغلونها.. ولكنّ هؤلاء الأفراد لا يستطيعون، مع كل أسف، الإبقاء على جدران تلك المؤسسات عالية أو منعها من الانهيار فهم، بالكاد، يقدرون على تحصين أنفسهم، ولعلهم في أحسن الحالات، يظهرون توجعهم على تلك الجدران التي غدت قصيرة جداً يتسلقها من يشاء.. ذلك إن بقيت جدران فعلاً..! [email protected]