الكثيرون جداً جداً جداً من أولي العلم والمتخصصين في تخصصات عالية ونادرة أميون بدرجة امتياز خارج سرب التخصص، في أبسط الأمور الحياتية العادية هم جاهلون.. الطبيب لا تسأله عن الفن شيئاً.. المحامي لا يفقه ألف باء الرياضة.. المهندس في خصام مع الاقتصاد.. السياسي ضد الصحافة والأمثلة بالكوم. الكثيرون جداً جداً جداً من الجامعيين لهم طموحات مقبولة ومحاولات مخجلة بعيداً عن تخصصهم باستعمال بعض المصطلحات القليلة التي يحفظونها عن ظهر قلب. الكثيرون جداً جداً جداً من أصحاب التعليم المتوسط لهم إسهامات واضحة في شتى مناحي الحياة ويتمتعون بثقافة كبيرة، يناقشونك في كل الدروب والمحاور.. مثلاً سائق تاكسي مصري أعطاني محاضرات كثيرة.. مفيدة.. مختصرة.. في رحلة قصيرة في الطب والفيزياء والهندسة والثقافة والإعلام والصحافة والسياسة والرياضة والفن والشعر وفي الرواية والنثر، عندما يناقشك في الطب على الفور يخطر ببالك أنه تتلمذ على يد البروفين الراحلين كمال العربي وعامر مرسال، ويحدثك في عالم الفيزياء كأنه زامل البروفيسور صاحب الأستاذيات الثلاث محجوب عبيد طه.. وفي الشعر لم يترك مجالاً للفيتوري أو إدريس جماع، وفي الرواية والنثر هو الطيب صالح الخالق الناطق.. وفي الفن واللحن كان له نصيب من إبداع العملاق وردي.. وفي الرياضة تلقى تدريبات صباحية ومسائية مع ماجد وجكسا وبشرى وبشارة وكمال عبدالوهاب وعزالدين الدحيش وعلي قاقارين وسامي عزالدين ومصطفى النقر وعبده الشيخ.. وأنا أهم بالنزول والترجل من التاكسي تذكرت على الفور عمنا العزيز أحمد عثمان (داره) الموسوعة والقاموس وذات الثقافة الواسعة المطلقة حين تجالسه تحسبة حاصل على الدكتوراه في كل العلوم، شرعية.. علمية.. اجتماعية، هو مكتبة متنقلة متحركة تمشي على قدمين. الكثيرون جداً جداً جداً من شبه الأميين أو الأميين الذين تخرجوا من مدرسة الحياة الكبيرة، أعرف بعضهم في مصاف البروف المرحوم محمد إبراهيم أبو سليم في التوثيق والأرشفة وشجرة العائلة وعلم الأنساب ويتميزون بالذاكرة الحادة، عكس بعض المتعلمين الذين ينطبق عليهم المثل (القلم ما يزيل البلم)، قبل كل شيء هم ضد كل حكومة منذ أن نلنا الاستقلال.. هم ضد منطقتنا وقرانا وهجرنا وبوادينا من حيث لا يشعرون.. لأنهم لا يريدون نهضتها إن جاءت من الحكومة.. وماسكون أيديهم المغلولة إلى أعناقهم.. هم من أقصى اليسار المتشدد وما زالوا يعضون بالنواجذ على حزب تبرأ منه أصحابه الأوائل نتيجة التراجع المخيف بعد أن كانوا في مقدمة الركب.. كنا نسمي كل شهاب ونيزك وطائرة نفاثة أو أي ضوء يتحرك في السموات العلا (قمر روسيا) هكذا نشأنا وهكذا هم كانوا في العلالي عندما كانوا يعملون قبل أن يلجأوا للتنظيرات فقط.. وهو ذات سبب تأخر وتخلف مناطقنا خدماتياً ومواكبة للعصر وهي الأغنى بشريياً، كيفاً وليس كماً.. لا نريد شيئاً من الحكومة أو الحزب الحاكم، يا جماعة هذه ليست عطية هي من أبسط حقوقنا.. لن يكون بيننا وبين المؤتمر الوطني حسب ولا نسب ولا نريدهما بالطبع.. من يرفعون هذه الشعارات ويلبسونها هم وقت الجد أول المستفيدين بإلحاق أبنائهم في الجامعات الحكومية عكسنا (المغتربون) المتضررون الفعليون من حكومة السودان.. ونحن ندفع (دم قلبنا) ونبيع (أرضنا) لتسديد رسوم وإعاشة ومصاريف الأولاد في الجامعات خارج أرض الوطن.. وعندما يتعلق الأمر بالجماعة والقرية والحلة والفريق يعلنون العصيان، طيب دق صدرك وأدفع من (المدكن) عشان نوفر للحكومة أو الحزب حقنا ونصيبنا ليستمتع جار آخر لنا.. وأخيراً بعض المتشددين اليساريين فاقوا من نومهم العميق ليتعاملوا مع الواقع بوضع المصلحة العامة فوق الشخصية والوهمية فتحقق لهم ما أرادوا.. عليكم نور وإن شاء الله دائماً لامين وتامين وكفاية عناد. أقول بملء الشدق والفيه لن يأتي اليوم الذي يتقلد يساري زمام مقاليد إدارة دفة البلاد.. لماذا بعض المتعلمين محدودي التعامل العقلاني.. لماذا لا يدرون أين المصلحة العامة.. لماذا تقليب المصلحة الخاصة.. لماذا يحلمون أكثر مما يعملون؟! وأخيراً.. تيقنت بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة علاقة قوية تربطني بالدكتورة ناهد قرناص، بالطبع لم تكن علاقة قارئ بكاتبة أو العكس.. هذه العلاقة أقلها أنها أختي بالرضاعة، وإلا ما معنى أن تتطابق رؤانا وأفكارنا وعقلنا بهذه الدرجة.. قبل أيام قلائل كتبت عن توارد الأفكار وتطابق وجهات النظر في موضوع مشابه بيننا.. كما كان من المفترض أن يرى هذا المقال النور قبل يومين وهو ذات عنوان الدكتورة قبل ساعات.. الصدفة دائماً ما تكون مرة.. ومرة واحدة فقط، وما سواها فهي توأمة.