*(المتعصَّب لا يملك آراء، الآراء هي التي تملكه..). -آليكساندرا بوب- أ.. ائْتَزَرَ عباءة الفراهيديّ والأخفش وقدامة بن جعفر، ثم امْتطى الأبجر، والمعلقات العشر، وجاهلية ابن كلثوم.. وشهر سيف عنترة العبسي، رافعاً كأس مُسْلم بن الوليد، وقد (نبق) منخاره بضفتيه المرتفعتين علامة مسجلة فارقة.. ثم كرَّ علينا بمطولات (شعرية) كفيديو كليب عربي جامح... فارَ وثارَ.. هاجَ وماجَ.. رفع يده وخفض رجله ثم هجا وأقذع.. وقف على أصابع قدميه وأطنب في المدح والتمجيد.. تمايل مطنطناً بنون النسوة وتاء التأنيث... لما فرغ من (أشعاره) الهُدْهُدية، وصفّق من صفّق... نهض مُسيلمة وقال للشاعر المفترض: أنت ثروة أدبية على الصعيدين الوطني والقومي.. ووالاه معاوية قائلاً: لا فُضَّ فُوكَ، حَيّاكَ اللهُ وبَيّاكَ يا شاعر الأمتين العربية والإسلامية.. ولحقت بهما مَلْساء الخيّالة ونادتْ: يا شاعري.. أنتَ أيقونة الشعر العربي، بل العالمي... وسار سيرتهم، وحذا حذوهم الوطواط والقرَّاد وثعلب... أما نَجْلاء الميّاسة فقد قالت بصيغة تعجبية، استفهامية، إنكارية: الله، الله..! أين منكَ الملك الضلِّيل، وديك الجِنّ، وصريع الغواني، والمُهلهل، والمجنون..؟ في أوج هذا الهَذَيان، وهذه الضوضاء، ودون مقدمات، التفتَ إليَّ (أبو شفيع) الروائي العربي صاحب (احتراق الضباب) وسألني: ما رأيكَ يا أبا يعّقوب؟ نظرتُ مباشرة إلى (المنشد) وحدَّقت.. ثم قلت، وقد ضاق صدري وغَلِيَ لساني، وزائدتي الدودية كادت أن تنفجر: يا شاعر الثقلين..! أنتَ، بلا شبهة، من أهل البيت..؟! فقال الشاعر: أيّ بيت؟ قلت: بيت النُّبُوّة... قال الشاعر: وكيف ذلك يا أستاذ؟ قلت: إنّ الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم، في سورة ياسين، الآية 69: ((وما علَّمناه الشعر وما ينبغي له..))... عندئذ ابتسم (أبو شفيع) ابتسامة قزحية، وانشرح صدره، وقال بلغة تراثية: لله دَرُّكَ يا أبا يعّقوب..! واشتعل بي المكان... ب - الشاعر أحمد شوقي كتب الكثير من الأشعار على ألسنة الطير والحيوان، ومن ذلك قصيدة عنوانها (القطّ والفارة): سَمِعْت أن فارة أتاها شقيقُها يَنعَى لها فتاها يصيحُ: يالي من نحوس بختي من سَلَّط القطَّ على ابن أختي فوَلوَلت وعضَّت التُّرابا وجمعت للمأتم الأترابا وقالت: اليوم انقضت لذّاتي لا خيرَ لي بعدكَ في الحياة من لي بهرٍّ مثلِ ذاك الهر يُريحُني من ذا العذاب المرِّ؟! وكان بالقرب الذي تريد يسمعُ ما تبدي وما تعيدُ فجاءَها يقول: يا بُشْراك إنّ الذي دعوت قد لبَّاك ! ففزعت لما رأته الفارَه واعتصمتْ منه ببيت الجارهْ وأشرفت تقول للسفيه: إن متُّ بعد ابني فمَنْ يبكيه ؟! ج- (الأَنْف) عضو حاسّة الشمّ والتنفّس، يتوسط الوجه، وله مدلولات مادية محسوسة، ومدلولات معنوية مجردة.. يمنح الإنسان، وغيره، جمالاً وحسناً.. أو قبحاً وبشاعة... ويستخدم الأنف، كتابة وقولاً، على سبيل الحقيقة (استعماله في معناه الأصلي)، وعلى سبيل المجاز (تجاوز المعنى الأصلي إلى غيره..) وهو كثير.. حين يرفع الإنسان رأسه تكبّراً وزهواً وتيهاً... فإنّ أنفه يبرز أكثر فأكثر فوق مفردات وجهه، وانطلاقاً من ذلك اشتقت من الأنف ألفاظ تدل على العِزة والحمِيّة والرفعة والكبرياء والإباء والسيادة... كان (بنو أنف الناقة) يشعرون بالخزي والعار من لقبهم هذا، إلى أن قال فيهم (الحطيئة) ما قال، فغدا اللقب مصدر فخر وعزة: قومٌ همُ الأنفُ والأذنابُ غيرهم فَمَنْ يسوّي بأنف الناقة الذنبَا؟ وقال حسان بن ثابت مادحاً: بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم شمُّ الأنوف من الطراز الأوّلِ وعلى هذا النحو قال أحد الشعراء: بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم في كلّ نائبة عِزازُ الآنُفِ وقال الأخطل الصغير، شاعر الهوى والصبا والجمال.. عبر (نظريته) في المُدام وشرب الخَمْرة: باكرتُها والصبحُ يشرقُ بالندى في فتيةٍ شمّ الأنوفِ صباحِ ومن الذين استخدموا المعاني الحقيقية لكلمة الأنف (عليّ بن العباس بن جُرَيح) الشهير بابن الرومي، الشاعر الذي تفوّق على نُظرائه من الشعراء في (الفنّ الساخر) وبرع في خلق صور ساخرة مضحكة على كل صعيد، ومن هذه الصور قوله في صاحب أنف طويل: إن كان أنفُك هكذا فالفيلُ عندكَ أفطسُ وإذا جلستَ على الطري قِولا إخالُكَ تجلسُ قلتُ: السلام عليكما فتجيبُ أنتَ ويخرسُ وحفل شعر (مظفر النواب) برسم لوحات ساخرة مبدعة.. ومنها في هذا المقام: ...أستثني، أستثني المسكين برأس الخيمة كان خلال الأزمة يحلمُ والشفة السفلى هابطة كبعير والأنف كما الهودج فوق الهضبة... [email protected]