قبل اسابيع كان الشاب الرشيد يقود( ركشة) في شرق النيل ..كان الشاب يدرك انه يخالف القانون لقيادته مركبة بدون ترخيص..لكنه وطن نفسه على هذا الوضع..ترخيص الركشة يقتضي ادخار مال ليس بقليل..الأهم من ذلك انه يعرف ثمن المخالفة اذا ما وقع تحت طائلة القانون..دفع مبلغ معلوم والاحتفاظ بالايصال المالي لنهاية اليوم واشهاره في وجه شرطة المرور ..لكن الاقدار كانت تحمل مصيرًا مختلفا..وقع الرشيد في المحظور..بات ليلته في الحراسة الساخنة..في الصباح حكم عليه بالجلد فورا ثلاثين جلدة..عقوبة الجلد صحِبتها غرامة مالية قدرها الف جنيه..ان لم يكن المليون حاضرا فعلى الرشيد ان يبقى في السجن ستة اشهر اخرى. في القضارف نقل مراسل التيار النشط محمد سليمان صورة اخرى..احد القضاة خرج من المحكمة يحمل في يده مسدسا..قبلها كان مولانا يصدر احكاما بالسجن على عدد من تجار التجزئة..الأحكام تفاوتت بين السجن شهرا او شهرين..السبب ان هؤلاء الفقراء الى الله عرضوا بضاعتهم خارج متاجرهم او تحديدا في المظلات الممدودة امام كل متجر..في ذاك اليوم ذهب عشرات الشباب والشيوخ الى السجون فيما فضل زملائهم التجار الإضراب عن العمل لحين إشعار اخر. الاستاذ عثمان ميرغني يحدثنا هذه الايام عن مجزرة القضاء التي حدثت في أواخر عهد (الامام ) جعفر نميري..في خواتيم شهر ابريل كان الرئيس نميري بُدون مقدمات يعلن حالة الطواريء ..بعدها بيوم اعلن الريس تشكيل محاكم طواريء يديرها قضاة معظمهم جاء وافدا على العمل القضائي.. في محاكم نميري الأحكام تنفذ في الحال باستثناء الإعدام ..لايوجد في هذه المحاكم محام يترافع عن متهم..المحامي يعتبر صديقا للمتهم يلقنه النصح همسا..لكن ماذا حدث ..بعد عامين سقط حكم جعفر نميري بهبة شعبية فيما كان الرئيس في فترة نقاهة طبية في واشنطن..اخر تصريح لنميري في الخرطوم قال فيه (مافي زول يقدر يشيلني). انظر عزيزي القاريء ماذا يقول حراس القانون.. مولانا الطيب هرون رئيس لجنة تلقي الشكاوي بالمفوضية القومية لحقوق الانسان ونقيب المحامين قال ان جلد سائقي الركشات لا يشكل انتهاكا لحقوق الانسان..مولانا الطيب علل ذلك بان قانون المرور لعام 2010 حوى عقوبتي الجلد والغرامة.. ويمكن حسب هرون للقاضي ان يستخدم العقوبتين معا..بالطبع فات على السيد النقيب الطيب ان معظم انتهاكات حقوق الانسان تاتي عبر القانون وهذا الضرب يسمى الانتهاكات المقننة . اجد نفسي مستغربا وزير الصحة الاتحادي يقول ان (80٪ ) من الأدوية الموجودة في اسواقنا مغشوشة..لم اسمع حتى هذه اللحظة ان رجل اعمال يعمل في هذا المجال تم جلده ايجازا ..حتى القضايا الكبيرة التي شغلت الناس تعالج عبر فقه التحلل وفقه السترة..قضايا كبيرة جاءت توجيهات سامية بعدم تناولها بالنشر ..ثم بعد ذلك غطاها غبار كثيف هل تذكرون القضية الشهيرة التي تم نقل مستنداتها بعربة نصف نقل..دعكم من تلك هل تذكرون الموظف الذي استغل عربة وزير العدل السابق في تهريب عملة ..أطمئنكم يا شعبي ان ذاك الموظف عاد لموقع عمله في مجلس الأحزاب عزيزا مكرما وتم فصل السائق المسكين . بصراحة..الاسراف في استخدام العقوبات المغلظة على الضعفاء والمساكين يؤكد ان دولتنا تسير في المسار الخطا ..كيف يجلد من يبحث عن الرزق الحلال وتترك القطط السمان..نعم الصورة مقلوبة . (التيار)